للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ثانيا: توحيد الصفات]

تعد الماتريدية في صفات الله تعالى من الصفاتية، وذلك لأنهم يثبتون بعض الصفات، ويثبتون لهذه الصفات معنى حقيقيا يقوم بذات الرب تعالى. فليست هي عندهم مجرد وصف الواصف أو نفي الضد (١).

وتأكد الماتريدية على أن إثبات هذه الصفات لا يستلزم التشبيه، إذ أنه لا شبه بين حقيقة الخالق والمخلوق، ولو كان إثبات الصفات يستلزم التشبيه للزم قدم المخلوق أو حدوث الخالق، وهذا ما لا يقول به عاقل.

قال الماتريدي: "ليس في إثبات الأسماء وتحقيق الصفات تشابه لنفي حقائق ما في الخلق عنه، فلو كان لشيء منه شبه يسقط عنه من ذلك القدم، أو عن غيره الحدث، فلو وصف بالشبه بغيره بجهة فيصير من ذلك الوجه كأحد الخلق" (٢).

وأما الصفات الثبوتية عند الماتريدية فهي ثمان صفات، وهي: القدرة، والعلم، والحياة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، والتكوين (٣).

وهم قد خصوا الإثبات بهذه الصفات دون غيرها، لأنها هي التي دل العقل عليها عندهم. وأما غيرها من الصفات فإنه لا دليل عليها من العقل عندهم، فلذا قالوا بنفيها.

وسلكوا في الاستدلال على إثبات هذه الصفات طريقتين، وقد يسلكوا أحيانا طرقا غيرها:

الأولى: التنزيه عن النقائص.

الثانية: دلالة المحدثات.

قال أبو المعين النسفي موضحا الطريقة الأولى وأنه "إذا ثبت أن صانع العالم قديم ومن شرط القدم التبري عن النقائص، ثبت أنه حي قادر سميع بصير عالم، إذ لو لم يكن كذلك لكان موصوفا بالموت والجهل والعجز والعمى والصمم، إذ هذه الصفات متعاقبة لتلك الصفات، فلو لم تكن هذه الصفات ثابتة لله تعالى لثبت ما يعقبها وهي صفات نقص ومن شرط القدم الكمال، فدل أنه موصوف بما بينا لضرورة انتفاء أضدادها التي هي من سمات المحدث لكونها نقائص" (٤).


(١) انظر: التوحيد: ٤٩ - ٦٠، ١٢٨، ١٢٩، أصول الدين، للبزدوي: ٢١، ٢٢.
(٢) انظر: التوحيد: ٢٤، ٢٥، والتمهيد: ١٣، ١٤، وأصول الدين: ٣١ - ٣٣
(٣) انظر: إشارات المرام: ١٠٧، ١١٤، جامع المتون: ٨ - ١٢، نظم الفرائد: ٢٤.
(٤) انظر: التمهيد: ٩، ١٢، ٢١، المسايرة: ٦٧.

<<  <   >  >>