للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما قالوا إنها تسميات، قالوا: إنها غير الله تعالى, إنها حروف وألفاظ، وإن الاسم الأزلي عين المسمى وهو الله لا غير (١). كل هذا للتدرج إلى القول بأن أسماء الله تعالى مخلوقة بعد قولهم: إنها غير الله؛ لأن كل ما هو غير الله فهو مخلوق (٢).

ومن أهم المسائل المتعلقة بباب الأسماء عند الماتريدية مسألة: الاسم والمسمى، فذهبت الماتريدية في هذه المسألة إلى القول بأن الاسم هو المسمى. واحتجوا بقوله تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} [الرحمن: (٧٨) وقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: (١)].

وقالوا: إن الله هو الخالق وما سواه مخلوق فلو كانت أسماؤه غيره لكانت مخلوقه، وللزم أن لا يكون له اسم في الأزل ولا صفة (٣).

قال البزدوي: "إن الدليل يضطرنا وكل عاقل إلى القول بأن الاسم نفس المسمى، فإن الناس أمروا بأن يعبدوا الله تعالى، ويوحدوا الله تعالى ويعظموه ويكبروه ويهللوه، ولو أن الاسم غير المسمى لكان هذا خطأ. قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: ٣٦]، وقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [الحج: (١)] " (٤).

وقال أبو المعين النسفي: "اعلم أن الاسم والمسمى واحد. والله تعالى بجميع أسمائه واحد. دليلنا قول الله -عز وجل-: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: (٢) وقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} [التوبة: (٣١)]، الله تعالى أمرنا بأن نوحد الله تعالى، فلو كان اسم الله تعالى غير الله لكان حصول التوحيد للاسم لا لله تعالى" (٥).

والصواب في المسألة التفصيل "فالاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى، فإذا قلت: قال الله كذا، واستوى الله على عرشه وسمع الله، ورأى وخلق فهذا المراد به المسمى نفسه، وإذا قلت (الله) اسم عربي، و (الرحمن) اسم عربي، و (الرحمن) من أسماء الله، و (الرحمن) وزنه فعلان، و (الرحمن) مشتق من الرحمة ونحو ذلك، فالاسم ههنا للمسمى ولا يقال غيره لما في لفظ الغير من الإجمال، فإن أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى فحق، وإن أريد أن الله سبحانه كان ولا اسم له حتى خلق لنفسه اسما أو حتى سماه خلقه بأسماء من وضعهم فهذا من أعظم الضلال والإلحاد" (٦).


(١) انظر: كتاب التوحيد: ٦٥ - ٦٦، وروح المعاني: ١/ ٥٣.
(٢) انظر: مجموع الفتاوى: ٦/ ١٨٥ - ١٨٦، وشرح كتاب التوحيد في صحيح البخاري للغنيمان: ٢٢٤.
(٣) انظر: التوحيد: ٦٦، شرح الفقه الأكبر للقاري: ١٥.
(٤) أصول الدين: ٨٨، ٨٩، ٩٠.
(٥) بحر الكلام: ٣٧، وانظر: تبصرة الأدلة: ١٩٨.
(٦) شفاء العليل: ٢٧٧، وانظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز: ٨٠.

<<  <   >  >>