للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الرابع: توحيد الألوهية]

لم تتعرض الماتريدية لتوحيد الإلهية، ولم يتنبه أحد منهم إليه؛ مع أنه أصل الدين، وأول وآخر دعوة الأنبياء والمرسلين، وهذا التوحيد هو الذي جاءت به الرسل ودعوا إليه أقوامهم، فالرسل مقررِون لتوحيد الربوبية داعون لتوحيد الألوهية كما أخبر الله عنهم (١)، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: ٢٥]، وقال تعالى: عن نوح عليه السلام: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦)} [هود: ٢٥ - ٢٦]، وقال تعالى عن هود عليه السلام: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} [هود: ٥٠] (٢).

ولم يفرقوا بين توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية؛ بل خلطوا بين معنى الإلهية ومعنى الربوبية، وظنوا أن معنى الإلهية هو القدرة على الاختراع، فلذا اعتقدوا أن توحيد الربوبية هو المقصود في قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: (٢٢)]، ونحوها من الآيات، وظنوا بأن المراد بالتوحيد- الذي هو حق الله على عباده- هو مجرد توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم وظنوا أنهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد وأن من جاء به فقد أخلص الدين كله لله وصار مؤمنا موحدا (٣).

ولذلك كانت عنايتهم بتوحيد الصفات وتوحيد الأفعال - توحيد الربوبية- (٤)، أما توحيد الأفعال: فهو أشهر أنواع التوحيد عندهم، وهو توحيد الربوبية، والخالقية، بمعنى "أن الله خالق العالم وحده، ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب، والغاية، وأنه معنى "لا إله إلا الله"؟ حيث إنهم فسروا "الألوهية بمعنى "القدرة على الاختراع" (٥).


(١) انظر: مدارج السالكين: ١/ ٤١١، والدين الخالص: ١/ ٥٧، وتيسير العزيز الحميد: ٢٠، ودعوة التوحيد: ٣٧.
(٢) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم: ٤٦٤، ومجموع الفتاوى: ١٦/ ٣٣٢، ومدارج السالكين: ٣/ ٤٤٣، ومفتاح دار السعادة: ١/ ٢١٢، وتطهير الاعتقاد: ٦.
(٣) الماتريدية للحربي: ٢١٢.
(٤) التدمرية: ١٧٩ - ١٨٠، ١٨٥ - ١٨٦.
(٥) انظر: التوحيد للماتريدي: ٢٠ - ٢١، تبصرة الأدلة: ل ٣٥، وما بعدها، النور اللامع: ل ٢٢ - ٢٣، المسايرة: ٤٢ - ٤٨، التبيان للفنجفيري: ٥٨ - ٥٩.

<<  <   >  >>