للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثالث: القول بالمجاز]

ذهبت الماتريدية إلى القول بأن المجاز واقع في اللغة والقرآن والحديث، قال ابن الهمام: "المجاز واقع في اللغة والقرآن والحديث" (١)، ودفعهم إلى ذلك اعتقادهم بأن حمل النصوص على معانيها الحقيقية يستلزم التجسيم والتشبيه، قال البياضي: "لما لم يكن حمل تلك النصوص على معانيها الحقيقية من الجوارح الجسمانية والتحيز والانفعالات النفسانية لمنع البراهين القطعية ولم يجز إبطال الأصل لعدم درك حقيقة الوصف بلا كيفية تحمل على المجاز من الصفات بلا كيفية" (٢).

والقول بالمجاز عند أهل السنة والجماعة قول محدث مبتدع لا أصل له فأئمة اللغة المتقدمون كالخليل بن أحمد وسيبويه وأبي عمرو بن العلاء لم يتكلموا فيه، كما لا يوجد هذا التقسيم عند أئمة الفقهاء والأصوليين، فالشافعي رحمه الله أول من تكلم في علم الأصول، وقد وصل إلينا أهم كتبه في هذا العلم وهو (الرسالة) ولا يوجد في كتابه هذا أدنى إشارة إلى هذا التقسيم لا من قريب ولا من بعيد، وكذلك الإمام محمد بن الحسن الشيباني في كتابه الجامع الكبير لم يتكلم فيه بلفظ الحقيقة والمجاز، كما أنه لم ينقل هذا التقسيم عن أي واحد من الأئمة كمالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وغيرهم (٣).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من قال من الأصوليين ... إنه يعرف الحقيقة من المجاز بطرق منها نص أهل اللغة على ذلك بأن يقولوا هذا حقيقة وهذا مجاز فقد تكلم بلا علم فإنه ظن أن أهل اللغة قالوا هذا ولم يقل ذلك أحد من أهل اللغة ولا من سلف الأمة وعلمائها ... " (٤).

وقال ابن القيم: " وإذا علم أن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز ليس تقسيما شرعيا ولا عقليا ولا لغويا فهو اصطلاح محض وهو اصطلاح حدث بعد القرون الثلاثة المفضلة بالنص وكان منشؤه من جهة المعتزلة والجهمية ومن سلك طريقهم من المتكلمين .... " (٥).


(١) التحرير: ١٦٨، وانظر: تيسير التحرير لأمير بادشاه: ٢/ ٢١، التوحيد: ٦٨، ٦٩.
(٢) إشارات المرام: ١٨٧، ١٨٩.
(٣) انظر: الإيمان لابن تيمية: ٧٢.
(٤) الإيمان لابن تيمية: ٧٣.
(٥) مختص الصواعق المرسلة: ٢/ ٥. الإيمان لابن تيمية: ٧٣.

<<  <   >  >>