للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: المعجزة والكرامة]

تثبت الماتريدية كرامات الأولياء، كما أنهم يثبتون معجزات الأنبياء، ويرون أنه لا فرق بينهما إلا التحدي، الذي هو دعوى الرسالة، فالمعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي، مع عدم المعارضة. والكرامة عندهم: أمر خارق للعادة غير مقرون بالتحدي. ويرون أنه لا تعارض ولا التباس بين إثبات المعجزات وإثبات الكرامات، بل إن كرامة الولي من معجزة النبي ودليل على صدقه؛ لأن كرامة التابع كرامة المتبوع، والولي لا يكون وليا حتى يكون مصدقا بالنبي ومتبعا له.

قال أبو المعين النسفي مبينا تعريف المعجزة: "المعجزة وحدها على طريقة المتكلمين: أنها ظهور أمر بخلاف العادة في دار التكليف لإظهار صدق مدعي النبوة مع نكول من يتحدى به عن معارضته بمثله، وإنما قيد بدار التكليف لأن ما يظهر من الناقض للعادة في دار الآخرة لا يكون معجزة، وإنما قلنا لإظهار صدق مدعي النبوة ليقع الاحتراز به عما يظهر مدعي الألوهية، إذ ظهور ذلك على يده جائز عندنا، وفيه أيضا احتراز يظهر على يد الولي إذ ظهور ذلك كرامة للولي جائز عندنا، وإنما قلنا لإظهار صدقه لأن ذلك لو ظهر لإظهار كذبه لا يكون ذلك معجزة له ولا دليلا على صدقه بل يكون دليلا على كذبه في دعواه، وإنما قلنا مع نكول من يتحدى به عن معارضته بمثله لأن الناقض للعادة لو ظهر على يده ثم ظهر على يد المتحدي به مثله لخرج ما ظهر على يده عند المعارضة عن الدلالة إذ مثله ظهر على يدي من يكذبه يكون دليل صدق من يكذبه فيتعارض الدليلان فيسقطان" (١).

وقال الناصري: " الفرق بين النبي والولي ظاهر لأن النبي يدعي المعجزة والكرامة ويتحدى بها الخلق فيقول إن آية رسالتي وثبوتي كذا وكذا والولي لا يدعي الكرامة وإنما تظهر على يده من غير تحد ودعوى ومتى ادعاها سقط من رتبة الولاية وصار فاسقا كذا ذكر علماء الأصول منهم سيف الحق أبو المعين .... " (٢).

فيظهر من تعريف الماتريدية للمعجزة أن النبوة تثبت لديهم بثلاثة شروط: خرق العادة، التحدي، عدم المعارضة. وهذه الشروط وحدها للمعجزة غير منضبط وذلك للآتي:


(١) التمهيد: ٤٦، أصول الدين للبزدوي: ٩٦ - ٩٩، ٢٢٧ - ٢٣٠.
(٢) النور اللامع: (ل ١٢١)، وانظر (١٢٠)، شرح الفقه الأكبر: ٧٩.

<<  <   >  >>