للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- ليس في الكتاب والسنة تعليق الحكم بهذا الوصف؛ بل ولا ذكر خرق العادة وإنما فيه آيات وبراهين (١).

- كون الآية خارقة للعادة وصف لا ينضبط، فإن نفس النبوة معتادة للأنبياء، وهي خارقة للعادة بالنسبة لغيرهم.

والكهانة والسحر أمور معتادة للسحرة والكهان، خارقة لغيرهم، كما أن أهل الطب يعرفون أشياء معتادة لأمثالهم خارقة لغيرهم، فكون المعجزة أمراً خارقاً للعادة ليس أمراً مضبوطاً (٢).

فتعريف الماتريدية للمعجزة بهذا التعريف غير مستقيم وغير منضبط. ثم إنه لم يرد في الكتاب ولا السنة تسميه ما يؤيد الله به أنبياءه ورسله معجزة، وإنما ورد تسميتها بالآيات. عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من الأنبياء من نبي إلا قد اعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة) (٣).

ويمكن تعريف الآية: بما يؤيد الله به أنبياءه ورسله من الأمور الخارقة للسنن الكونية، والتي لا قدرة للخلق على الإتيان بمثلها؛ فتكون دليلاً على صدقهم وتأييد الله لهم.

أما كرامات الأولياء، فهي كما قالوا من آيات الأنبياء؛ ولكن ليس كل ما كان من آيات الأنبياء يكون كرامة للصالحين.

والماتريدية ساووا بين هذا وهذا، ويقولون الفرق هو دعوى النبوة والتحدي، وهذا غلط؛ فإن آيات الأنبياء التي دلت على نبوتهم هي أعلى مما يشتركون فيه هم وأتباعهم، فانشقاق القمر والإتيان بالقرآن وانقلاب العصا حية وخروج الدابة من صخرة لم يكن مثله للأولياء، فالآيات الكبرى مختصة بالأنبياء والرسل، وأما الآيات الصغرى فقد تكون للصالحين مثل تكثير الطعام -مثلاً- فهذا قد وجد لبعض الصالحين، لكن لم يوجد لأحد كما وجد للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أطعم جيشاً من شيء يسير، فقد تكون المشاركة في جنس الآية لكن لا تكون بنفس العظمة والكثرة (٤).


(١) النبوات لابن تيمية: ٤٥.
(٢) المرجع السابق: ٢٠ - ٢١، ٢٣.
(٣) رواه البخاري (٧٢٧٤)، ومسلم (٢٣٩).
(٤) المرجع السابق: ٢٦٩، وانظر: ٧ - ٨، ٣٠٥، ٣٠٨.

<<  <   >  >>