للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الأول: مراتب القضاء والقدر عند الماتريدية]

والماتريدية تثبت هذه المراتب: العلم والكتابة وعموم المشيئة والخلق، وما وقع منهم من انحراف في القضاء والقدر إنما هو فيما يتعلق بأفعال العباد، وكلامهم في هذه المراتب الأربع ليس بواضح كوضوحه في كلام أهل السنة؛ فهم عندما يعرفون القضاء والقدر ينصون على العلم والخلق، أما المشيئة فيذكرونها في بحثهم لمسألة الإرادة، وأما الكتابة فقل أن يذكروها.

قال الماتريدي: "القضاء في حقيقته الحكم بالشيء والقطع على ما يليق به وأحق أن يقطع عليه، فرجع مرة إلى خلق الأشياء لأنه تحقيق كونها على ما هي عليه وعلى الأولى بكل شيء أن يكون على ما خلق؛ إذ الذي خلق الخلق هو الحكيم العليم، والحكمة هي إصابة الحقيقة لكل شيء ووضعه موضعه قال الله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: ١٢] وعلى ذلك يجوز وصف أفعال الخلق أن قضى بهن أي خلقهن وحكم".

ثم قال: "وأما القدر فهو على وجهين: أحدهما: الحد الذي عليه يخرج الشيء وهو جعل كل شيء على ما هو عليه من خير أو شر من حسن أو قبح وعلى مثل هذا قوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: ٤٩].

والثاني: بيان ما عليه يقع كل شيء من زمان ومكان وحق وباطل وما له من الثواب والعقاب" (١).

وقال أيضا: "الحمد لله الذي فطر الخلق بقدرته وصرفهم بحكمته على سابق علم ومشيئة، أنشأ الأشياء كيف شاء {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣] " (٢).

وقال أبو المعين النسفي مبينا إثبات الكتابة: ". وقد كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ جميع ما يكون وجميع ما تفعل العباد قبل خلقهم" (٣).


(١) التوحيد: ٣٠٦، ٣٠٧.
(٢) التوحيد: ٢٢١، وانظر: ٢٨٧، ٢٩١، ٢٩٤، ٣٠٣، ٣٠٤، التمهيد: ٨١، ٨٢.
(٣) النور اللامع: ل ١١٠، وانظر: ٥٧، ٥٨، ٦١، ٦٢، ٩٤، ٩٥.

<<  <   >  >>