للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: أفعال العباد]

الكلام على هذه المسألة من جهتين:

الجهة الأولى: خلق أفعال العباد.

قالت الماتريدية: إن أفعال العباد مخلوقة لله، وأن الله تعالى خلقها كلها خيرا كانت أو شرا، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة نقلية وعقلية.

قال الماتريدي: "ثم الدليل عندنا من طريق القرآن على لزوم القول بخلق الأفعال قوله: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: (١٣) - (١٤)]، فلو لم يكن جل ثناؤه خالقا لما يجهر ويخفى لم يكن ليحتج به على علمه.

وأيضا أن الله تعالى قال: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: ٢٢]، وقال في موضع آخر {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} [سبأ: ١٨]، أخبر أن تقدير السير والتسير فعله وبه كان السير" (١).

الجهة الثانية: علاقة العباد بأفعالهم.

قول الماتريدية بأن الله تعالى خالق أفعال العباد خيرها وشرها هو القول الحق الذي دل عليه السمع والعقل، وهو قول أهل السنة والجماعة وسلف الأمة؛ لكن بالنسبة لعلاقة العباد بأفعالهم فقد حاولت الماتريدية التوسط بين قول المعتزلة وقول الجبرية فقالوا: أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وهي كسب من العباد.

قال الماتريدي: "إن حقيقة ذلك الفعل الذي هو للعباد من طريق الكسب ولله من طريق الخلق" (٢).

وقال أبو المعين النسفي: "وعندنا فعل العبد هو مخلوق الله تعالى ومفعوله، والله تعالى هو الذي يتولى إيجاده وإخراجه من العدم إلى الوجود والعبد اكتسبه وباشره" (٣).


(١) التوحيد: ٢٥٤، أصول الدين: ٩٩، ١٠٢، ١٠٥.
(٢) التوحيد: ٢٢٨، ٢٢٥، ٢٢٦.
(٣) تبصرة الأدلة: ل ٣٨٤، وانظر: التمهيد: ٦٧، ٧٠، ٧١.

<<  <   >  >>