للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تمهيد]

إن الناظر في معتقد الماتريدية ومعتقد الأشاعرة يجد بينهما تقاربا كبيرا، وهذا التقارب هو الذي أوجد الاتفاق والائتلاف بينهما، حتى صار كل منهم يطلق اسم أهل السنة والجماعة على الطائفتين.

والذي يظهر - والله تعالى أعلم بالصواب- أن الماتريدية انبثقت من الكلابية كما أن الأشعرية كذلك.

والدليل على هذا أن أهم ما تتميز به الماتريدية هو القول بأزلية التكوين، وهذا قد قالت به الكلابية من قبل ظهور الماتريدية، كما أن المذهب الكلابي كان منتشرا في بلاد ما وراء النهر، وهي البلاد التي عاش وتوفي فيها الماتريدي ...

فعلى هذا لابد أن يكون الماتريدي قد أخذ عن شيوخه من الكلابية وتأثر بهم، وبهذا يتضح السر في التقارب بين الأشاعرة والماتريدية، والله تعالى أعلم بالصواب (١).

قال السبكي- وهو من الأشاعرة- في الطبقات: "تفحصت كتب الحنفية -ويقصد بهم الماتريدية لتمذهبهم بالمذهب الحنفي- فوجدت جميع المسائل التي بيننا وبين الحنفية خلاف فيها ثلاث عشرة مسألة، منها معنوي ست مسائل والباقي لفظي، وتلك الست المعنوية لا تقتضي مخالفتهم لنا، ولا مخالفتنا لهم فيها تكفيرا ولا تبديعا. ولي قصيدة نونية جمعت فيها هذه المسائل، وضممت إليها مسائل اختلفت الأشاعرة فيها مع تصويب بعضهم بعضا في أصل العقيدة ودعواهم أنهم أجمعين على السنة" (٢).

كما عقد البياضي في كتابه "إشارات المرام" فصلا لبيان المسائل الخلافية بين الأشاعرة والماتريدية، وذكر أن الخلاف بينهما يقع في خمسين مسألة، كما أنه عرض لتفصيل المسائل الخلافية بأدلتها في جميع فصول الكتاب. وذكر أن الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية معنوي، ولكنه في التفاريع التي لا يلزم من الخلاف فيها التبديع، فلذا يعد الكتاب من أهم المراجع في معرفة الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية (٣).

ويقول زاهد الكوثري: "فالأشعري والماتريدي هما إماما أهل السنة والجماعة في مشارق الأرض ومغاربها، لهم كتب لا تحصى، وغالب ما وقع بين هذين الإمامين من الخلاف من قبيل الخلاف اللفظي، وقد دونت عدة كتب في ذلك، وقد أحسن تلخيصها البياضي في "إشارات المرام في عبارات الإمام"، ونقل نصه الزبيدي في "شرح الإحياء" (٤).


(١) انظر: الماتريدية للحربي: ٤٩١ - ٤٩٦، وذكر مجموعة من المؤلفات في موضوع هذا الخلاف.
(٢) طبقات السبكي: ٣٧٨ - ٣٧٩.
(٣) كتاب إشارات المرام: ٢٣، ٥٣.
(٤) مقدمات الكوثري: ٥١.

<<  <   >  >>