للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح لتقرير نبوة الأنبياء؛ ولكن القول بأن نبوة الأنبياء لا تعرف إلا بالمعجزات قول غير صحيح، بل هناك دلائل أخرى، منها ما يظهر عليه من العلم والصدق والبر وأنواع الخيرات ما ظهر لمن له أدنى تمييز، وما يقترن به من أحوال وغير ذلك (١).

وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين إلا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشيطان عليه ما ظهر من حاله عند أدنى تمييز، والناس يميزون بين الصادق والكاذب.

ولهذا لما كانت خديجة رضي الله عنها تعلم من النبي صلى الله عليه وسلم أنه الصادق البار، قال لها لما جاءه الوحي: (إني قد خشيت على نفسي) فقالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق" (٢) (١٠). فهو لم يخف من تعمد الكذب؛ فإنه يعلم من نفسه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكذب؛ لكن خاف في أول الأمر أن يكون قد عرض له عارض سوء، وهو المقام الثاني، فذكرت خديجة ما ينفي هذا، وهو ما كان مجبولا عليه من مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم والأعمال، وهو الصدق المستلزم للعدل والإحسان إلى الخلق، ومن جمع فيها الصدق والعدل والإحسان لم يكن ممن يخزيه الله.

وصلة الرحم وقرى الضيف وحمل الكل وإعطاء المعدوم والإعانة على نوائب الحق هي من أعظم أنواع البر والإحسان، وقد علم من سنة الله أن من جبله الله على الأخلاق المحمودة ونزهه عن الأخلاق المذمومة فإنه لا يخزيه" (٣).


(١) انظر: الأصفهانية: ٤٧٤، ٤٧٦، ٤٧٧، شرح الطحاوية: ١١٢، ١١٤، النبوات: ٣٧ - ٤٣.
(٢) رواه البخاري (٤٩٥٣) ومسلم (١٦٠).
(٣) انظر: الأصفهانية: ٤٧٩، ٤٨٠، منهاج السنة: ٢/ ٤١٩، ٤٢٠، ٨/ ٥٤٩، شرح العقيدة الطحاوية: ١١٤ - ١١٥.

<<  <   >  >>