للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال في الثانية: "وإذا ثبت أيضا أنه هو المخترع لهذا العالم مع اختلاف أنواعه، وهو الخالق له على ما هو عليه من الإحكام والإتقان، وبديع الصفة وعجيب النظم والترتيب، وتركيب الأفلاك وما فيها من الكواكب السائرة، وما يرى من البدايع في أبدان الحيوانات من الحياة والتميز والاهتداء إلى اجتلاب المنافع وانتفاء المضار، وما فيهن من الحواس، وما في الأجسام الجمادية من البدايع والخاصيات التي أودعت فيها على وجه لو تأمل ذو البصيرة الموصوف بدقة الفكرة وحدة الخاطر ورجاحة العقل وكمال الذهن وقوة التمييز جميع عمره فيها لما وقف على كنهها؛ بل على جزء من ألف جزء مما فيها من آثار كمال الحكمة ولطف التدبير، ثبت أنه حي قادر عالم سميع بصير. يجري العلم بذلك مجرى الأوائل البديهية، حتى أن العقلاء بأسرهم ينسبون من يضيف نسيج الديباج المنقوشة، وتحصيل التصاوير المونقة، وبناء القصور العالية، واتخاذ السفن الجارية إلى ميت عاجز جاهل، إما إلى الحماقة والغباوة، وإما إلى العناد والمكابرة" (١).

كما سلكوا في الصفات التي لم يثبتوها: إما التفويض، وإما التأويل. وقالوا لو تركنا هذه النصوص على ظاهرها بدون تفويض أو تأويل، وأثبتنا ما تدل عليها دلالة حقيقة ولم نصرفها إلى المعاني المجازية، للزم من ذلك التشبيه، وهذا يخالف التنزيه؛ لأن العقل يستحيل ما تدل عليه ظواهر هذه النصوص، وهي ظواهر ظنية في معارضة البراهين العقلية القطعية فنقدم عليها البراهين العقلية.

وهذه الظواهر الظنية إما أن نفوض معانيها إلى الله تعالى كما فعله السلف - حسب زعمهم (٢)، وإما أن نؤولها بأنواع من المجازات إلى معان توافق البراهين العقلية (٣).

ويزعمون أن حمل هذه النصوص على ظاهرها يستحيله العقل، فهي إما أن يفوض في معانيها، أو تؤول، فهم أولاً: وقعوا في التشبيه، وثانيا: فروا منه، وثالثا: حرفوا النصوص، ورابعا: عطلوا الصفات، وخامسا: وقعوا فيما فروا منه من التشبيه والتمثيل بل أشد منه حيث وصفوا الله بصفات المعدوم بل الممتنع (٤).


(١) انظر: التوحيد: ٤٥، التمهيد: ١٢، ٢١، تفسير النسفي: ١/ ٨٦، ٢٠٠، الماتريدية للحربي: ٢١٩.
(٢) انظر: في رد الزعم بأن التفويض مذهب السلف كتاب: مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات لأحمد القاضي.
(٣) انظر: هذه القاعدة في المسايرة مع المسامرة: ٣٥، ٢٩، أصول الدين للبزدوي: ٢٥، ١٨٩، وشرح العقائد النسفية للتفتازاني: ٤٢.
(٤) انظر: رسالة في إثبات الاستواء والفوقية للجويني: ١/ ١٨١، درء التعارض: ٤/ ٩، والتدمرية: ١٩، ٧٩ - ٨٥.

<<  <   >  >>