للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول الماتريدية وغيرهم من المتكلمين بالتأويل ظاهر الفساد، ومما يدل على فساده تناقضهم فيه، والقول المتناقض قول فاسد، لذا كان الطبيب ابن النفيس يقول: ليس إلا مذهبان: مذهب أهل الحديث أو مذهب الفلاسفة فأما هؤلاء المتكلمون فقولهم ظاهر التناقض والاختلاف (١)، وهو بهذا "يعني أن أهل الحديث أثبتوا كل ما جاء به الرسول وأولئك جعلوا الجميع تخييلا وتوهيما، ومعلوم بالأدلة الكثيرة السمعية والعقلية فساد مذهب هؤلاء الملاحدة فتعين أن يكون الحق مذهب السلف أهل الحديث والسنة والجماعة" (٢).

لهذا لم يكن لهم قانون مستقيم في التأويل فلا يستطيعون أن يفرقوا بين النصوص التي تحتاج إلى تأويل والتي لا تحتاج إليه، فهم كما يقول شيخ الإسلام: " يوجبون التأويل في بعض السمعيات دون بعض، وليس في المنتسبين إلى القبلة، بل ولا في غيرهم من يمكنه تأويل جميع السمعيات.

وإذا كان كذلك، قيل لهم: ما الفرق بين ما جوزتم تأويله فصرفتموه عن مفهومه الظاهر ومعناه البين وبين ما أقررتموه؟

فهم بين أمرين، إما أن يقولوا ما يقوله جمهورهم: إن ما عارضه عقلي قاطع تأولناه، وما لم يعارضه عقلي قاطع أقررناه.

فيقال لهم: فحينئذ لا يمكنكم نفي التأويل عن شيء؛ فإنه لا يمكنكم نفي جميع المعارضات العقلية ...

وأيضا فعدم المعارض العقلي القاطع لا يوجب الجزم بمدلول الدليل السمعي؛ فإنه على قولكم إذا جوزتم على الشارع أن يقول قولا له معنى مفهوم وهو لا يريد ذلك لأن في العقليات الدقيقة التي لا تخطر ببال أكثر الناس أو لا تخطر للخلق في قرون كثيرة ما يخالف ذلك جاز أن يريد بكلامه ما يخالف مقتضاه بدون ذلك لجواز أن يظهر في الآخرة ما يخالف ذلك أو لكون ذلك ليس معلوما بدليل عقلي ونحو ذلك؛ فإنه إذا جاز أن يكون تصديق الناس له فيما أخبر به موقوفا على مثل ذلك الشرط جاز أن يكون موقوفا على أمثاله من الشروط إذ الجميع يشترك في أن يكون الوقف على مثل هذا الشرط يوجب أن لا يستدل بشيء من أخباره على العلم بما أخبر به.


(١) درء تعارض العقل والنقل: ١/ ٢٠٣.
(٢) درء تعارض العقل والنقل: ١/ ٢٠٣.

<<  <   >  >>