للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن قالوا بتأويل كل شيء إلا ما علم بالاضطرار أنه أراده كان ذلك أبلغ فإنه ما من نص وارد إلا ويكون الدافع له أن يقول ما يعلم بالاضطرار أنه أراد هذا.

فإن كان للمثبت أن يقول أنا أعلم بالاضطرار أنه أراده كان لمن أثبت ما ينازعه فيه هذا المثبت أن يقول أيضا مثل ذلك ...

فإنك إذا تأملت كلامهم لم تجد لهم قانونا فيما يتأول وما لا يتأول، بل لازم قولهم إمكان تأويل الجميع ... فعلم أن قولهم باطل ... " (١).

ثم يقال لهم: إن القول بالتأويل على اصطلاحكم شر من التشبيه والتعطيل؛ فإن التأويل " يتضمن التشبيه والتعطيل والتلاعب بالنصوص وإساءة الظن بها؛ فإن المعطل والمؤول قد اشتركا في نفي حقائق الأسماء والصفات، وامتاز المؤول بتلاعبه بالنصوص وانتهاكه لحرمتها وإساءة الظن بها ونسبة قائلها إلى التكلم بما ظاهره الضلال والإضلال، فجمعوا بين أربعة محاذير: اعتقادهم أن ظاهر كلام الله ورسوله المحال الباطل، ففهموا التشبيه أولا، ثم انتقلوا إلى المحذور الثاني وهو التعطيل، فعطلوا حقائقها بناء منهم على ذلك الفهم الذي لا يليق بها ولا يليق بالرب جل جلاله.

المحذور الثالث نسبة المتكلم الكامل العلم الكامل البيان التام النصح إلى ضد البيان والهدى والإرشاد ... ولا ريب عند كل عاقل أن ذلك يتضمن أنهم كانوا أعلم منه أو أفصح أو أنصح للناس.

المحذور الرابع: تلاعبهم بالنصوص وانتهاك حرماتها، فلو رأيتها وهم يلوكونها بأفواههم وقد حلت بها المثلات وتلاعبت بها أمواج التأويلات ونادى عليها أهل التأويل في سوق من يزيد فبذل كل واحد في ثمنها من التأويلات ما يريد فلو شاهدتها بينهم وقد قعد النفاة على صراطها المستقيم بالدفع في صدورها والأعجاز، وقالوا لا طريق لك علينا، وإن كان لا بد فعلى سبيل المجاز، فنحن أهل المعقولات وأصحاب البراهين، وأنت أدلة لفظية وظواهر سمعية لا تفيد العلم ولا اليقين، فلا إله إلا الله والله أكبر كم هدمت بهذه المعاول من معاقل الإيمان، وثلمت بها حصون حقائق السنة والقرآن ... " (٢).


(١) درء تعارض العقل والنقل: ٥/ ٣٤٣ - ٣٤٥.
(٢) الصواعق المرسلة: ١/ ٢٩٦ - ٢٩٨، مختصر الصواعق: ١/ ٤٨ - ٥٠.

<<  <   >  >>