للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما القول بالتفويض فهو من شر أقوال أهل البدع؛ وذلك لمناقضته ومعارضته نصوص التدبر للقرآن، واستلزامه تجهيل الأنبياء والمرسلين برب العالمين، فمن المعلوم " أن الله تعالى أمرنا أن نتدبر القرآن وحضنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله؟ !

وأيضا فالخطاب الذي أريد به هدانا والبيان لنا وإخراجنا من الظلمات إلى النور إذا كان ما ذكر فيه من النصوص ظاهره باطل وكفر، ولم يرد منا أن نعرف لا ظاهره ولا باطنه، أو أريد منا أن نعرف باطنه من غير بيان في الخطاب لذلك؛ فعلى التقديرين لم نخاطب بما بين فيه الحق ولا عرفنا أن مدلول هذا الخطاب باطل وكفر.

وحقيقة قول هؤلاء في المخاطب لنا أنه لم يبين الحق ولا أوضحه مع أمره لنا أن نعتقده، وأن ما خاطبنا به وأمرنا باتباعه والرد إليه لم يبين به الحق ولا كشفه؛ بل دل ظاهره على الكفر والباطل، وأراد منا أن لا نفهم منه شيئا، أو أن نفهم منه ما لا دليل عليه فيه، وهذا كله مما يعلم بالاضطرار تنزيه الله ورسوله عنه، وأنه من جنس أقوال أهل التحريف والإلحاد" (١).

" فعلى قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص ولا الملائكة ولا السابقون الأولون، وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه؛ بل يقولون كلاما لا يعقلون معناه ... ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء؛ إذ كان الله أنزل القرآن، وأخبر أنه جعله هدى وبيانا للناس، وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين وأن يبين للناس ما نزل إليهم، وأمر بتدبر القرآن وعقله، ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته ... لا يعلم أحد معناه، فلا يعقل ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بيَّن للناس ما نزل إليهم ولا بلغ البلاغ المبين.

وعلى هذا التقدير، فيقول كل ملحد ومبتدع الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك؛ لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة، ولا يعلم أحد معناها، وما لا يعلم معناه أحد لا يجوز أن يستدل به ... " (٢).


(١) درء تعارض العقل والنقل: ١/ ٢٠٢.
(٢) درء تعارض العقل والنقل: ١/ ٢٠٤ - ٢٠٥.

<<  <   >  >>