للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما معنى الإيمان: فهو التصديق مع الانقياد. وهو تارة يتعدّى بالباء وتارة باللام. فمن الأول - التعدي بالباء- يقال: آمن به قوم (١) وكذّب به قومٌ، ومنه قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: ٣]. أي يصدقون بأخبار الله عن الجنة والنار (٢).

ومن الثاني - التعدي باللام- قوله تعالى مخبرا عن اليهود أنهم قالوا: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران: ٧٣]، أي لا تقروا ولا تصدقوا (٣).

ومنه قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: ١٧]، أي بمصدق لنا (٤).

والفرق بينهما أن المتعدي بالباء هو تصديق المخبَر به، والمعتدي باللام هو تصديق المُخْبِر (٥).

فالإيمان: إقرار باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بطاعة الشيطان (٦).

قال الإمام الشافعي رحمه الله: "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركنا: أن الإيمان: قول، وعمل، ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر" (٧).

وقال محمد بن حسين الآجري رحمه الله في باب "القول بأن الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، لا يكون مؤمناً إلا أن يجتمع فيه هذه الخصال الثلاث "، قال: "اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح.

ثم اعلموا أنه لا تجزاء المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً، ولا تجزاء معرفة القلب ونطق اللسان حتى يكون عمل بالجوارح، فإذا كملت فيه هذه الثلاث الخصال كان مؤمناً، دل على ذلك الكتاب والسنة وقول علماء المسلمين .. " (٨).


(١) المفردات في غريب القرآن: ٢٥.
(٢) انظر: تفسير ابن كثير: ١/ ١٦٥.
(٣) انظر: مجاز القرآن: ٩٧، ومعاني القرآن: ١/ ٢٢٢، وتفسير ابن كثير: ٢/ ٥٩.
(٤) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٢١٣، المفردات في غريب القرآن: ٩١.
(٥) مجموع الفتاوى: ٧/ ٢٨٩، ٥٢٩، وشرح الطحاوية: ٣٢١.
(٦) انظر: مجموع الفتاوى: ٧/ ٥٠٥، وانظر: شرح الطحاوية: ٣١٤.
(٧) شرح أصول اعتقاد أهل السنة: ٥/ ٨٨٦.
(٨) الشريعة للآجري: ٢/ ٦١١، وانظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة: ٤/ ٨٣٢.

<<  <   >  >>