فَلَمْ يَكُنْ جَائِرًا فِي حُكْمِهِ وَلَا أَمْرِهِ، قَتَلَ مَنْ فِي مَعْلُومِهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِهِ، إذَا كَانَ فِيهِ اقْتِطَاعٌ مِنْهُ لَهُ عَنْ النَّجَاةِ، وَالْوُصُولِ إلَى الثَّوَابِ بِإِمَاتَتِهِ وَقَتْلِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُصِيبًا فِي اسْتِبْقَائِهِمْ، وَأَخْذِ الْفِدَاءِ مِنْهُمْ، وَسَقَطَ بِذَلِكَ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَ الْآيَةَ عَلَى إثْبَاتِ الْعَتْبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَخْذِ الْفِدَاءِ، وَاسْتِبْقَاءِ الْأَسْرَى. وَقَدْ احْتَجُّوا أَيْضًا - كَمَا ذَكَرْنَا - بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} [الأنبياء: ٧٨] إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٩] . فَلَمَّا مَدَحَهُمَا جَمِيعًا بِمَا وَصَفَهُمَا (بِهِ) مِنْ الْحُكْمِ وَالْعِلْمِ، دَلَّ عَلَى تَصْوِيبِهِ لَهُمَا فِي اجْتِهَادِهِمَا. وقَوْله تَعَالَى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: ٧٩] تَأَوَّلُوهُ عَلَى إصَابَةِ الْأَشْبَهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَمْ يُكَلِّفْهَا الْمُجْتَهِدَ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (أَيْضًا) : قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» . فَاقْتَضَى هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ إذَا اخْتَلَفُوا فَاقْتَدَى هَذَا بِبَعْضِهِمْ وَهَذَا بِبَعْضِهِمْ أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا مُجْتَهِدِينَ مُصِيبِينَ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا: «تَحْكِيمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي أَمْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ، عَلَى أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ بِمَا يَرَاهُ صَوَابًا» ، فَسَوَّغَ لَهُمْ أَيْضًا حُكْمَهُ فِيهِمْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَقَعَ حُكْمُهُ: مِنْ قَتْلٍ، أَوْ مِنْ اسْتِبْقَاءٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute