وإن كان متضايق المعيشة يركب نعليه ويلبس طمريه وقلت في هذا المعنى من أبيات
قد كنت ذا طمرين أمرح في … العلا مرح الأغر بجانب الميدان
ما كنت مضطهدا فأطلب رفعة … أو خاملا فأريد شهرة شاني
فاحرص أيها الطالب على أن تكون من أهل الطبقة الأولى فإنك إذا ترقيت من البداية التصورية إلى العلة الغائية التي هي أول الفكر وآخر العمل كنت فرد العالم وواحد الدهر وقريع الناس وفخر العصر ورئيس القرن وأي شرف يسامي شرفك أو فخر يداني فخرك وأنت تأخذ دينك عن الله وعن رسوله لا تقلد في ذلك أحدا ولا تقتدي بقول رجل ولا تقف عند رأي ولا تخضع لغير الدليل ولا تعول على غير النقد
هذه والله رتبة تسمو على السماء ومنزلة تتقاصر عندها النجوم فكيف بك إذا كنت مع هذه المزية مرجعا في دين الله ملجأ لعباد الله مترجما لكتاب الله وسنة رسول الله يدوم لك الأجر ويستمر لك النفع ويعود لك الخير وأنت بين أطباق الثرى وفي عداد الموتى بعد مئتين من السنين
ولا يحول بينك وبين هذا المطلب الشريف ما تنازعك نفسك إليه من مطالب الدنيا التي تروقها وتود الظفر بها فإنه حاصلة لك على الوجه الذي تحب والسبيل الذي تريد بعد تحصيلك لما أرشدتك إليه من الرتبة العلمية وتكون إذ ذاك مخطوبا لا خاطبا ومطلوبا لا طالبا
وعلى فرض أنها تكدي عليك المطالب وتعاند الأسباب فلست تعدم الكفاف الذي لا بد لك منه فما رأينا عالما ولا متعلما مات جوعا ولا أعوزه الحال حتى انكشفت عورته عريا أو لم يجد مكانا يكنه ومنزلا يسكنه وليس الدنيا إلا هذه الأمور وما عداها فضلات مشغلة للأحياء مهلكة للأموات