للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هو في أبوابهم ثم أعطوه منصبا من المناصب فعمل ما يريدونه منهم وإن خالف الشرع واعتمد على ما يرسمونه له وإن كان طاغوتا بحتا

فيظن من لا علم عنده بحقائق الأمور أن أهل العلم كلهم هكذا وأنهم ينسلخون من العلم إذا ظفروا بمنصب من المناصب هذا الانسلاخ ويمسخون هذا المسخ ويعود أمرهم إلى هذا المعاد فيزهد في العلم وأهله وتنفر عنه نفسه وتقل فيه رغبته ويؤثر الحرف الدنيوية عليه ليربح السلامة من المهانة التي رآها نازلة بهذا المشؤوم الجالب على نفسه وعلى أهل العلم ما جلب من الذل والصغار

وإذا كان ما جناه هؤلاء النكاء على العلم وأهله بالغا إلى هذا الحد عند سائر الناس فما ظنك بما يعتقده فيهم من يطلبونه من المناصب بعد أن شاهد منهم ما يشاهد من الخضوع والذلة والانسلاخ عن الشرع إلى ما يريدونه منه وبذل الأموال لهم على ذلك ومهاداتهم بأفخر الهدايا والوقوف على ما يطلبونه منه على أي صفة تراد منهم

وينظم إلى هذا خلوهم عن العلم وجهلهم لأهله الذين هم أهلهم فيظنون أن هؤلاء الذين قصدوهم وتعثروا على أبوابهم هم رؤوس أهله لما يشاهدونه عليهم من الهيئة واللباس الفاخر الذي لا يجدونه عند المشتغلين بالعلم

فهل تراهم بعد هذا يميلون إلى ما يقوله أهل العلم وينزجرون بما يوردونه عليهم من الزواجر الشرعية المتضمنة لإنكار ما هو منكر والأمر بما هو معروف والتخويف لهم عن مجاوزة حدود الله هيهات أن يصغوا لهذا سمعا أو يفتحوا له طرفا فإلى الله المشتكى وعليه المعول فهذا أمر وقع فيه أهل العصور الأول فألأول

وما أحق أهل العلم الحاملين لحجيج الله المرشدين لعباده إلى شرائعه أن يطردوا هؤلاء عن مجالسهم ويبعدونهم عن مواطن تعليمهم وأن لا يبذلوا العلم إلا لمن يقدره حق قدره وينزله منزلته ويطلبه لذاته ويرغب فيه

<<  <   >  >>