للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما يصغر قدر الدنيا بالنسبة إليه فإذا نال ذلك المنصب ضرب بالدفاتر وجه الحائط وألقاها خلف الصور لعدم الباعث عليها من جهة نفسه والمنشط على العلم والمرغب فيه

فهذا هو شبيه بمن يتعلم مهنة من المهن ويتدرب في حرفة من الحرف فيقصد أهلها حتى يدركها ويكون فيها أستاذا ثم يذهب إلى دكان من الدكاكين فيعتاش بتلك الحرفة

وليس هو من أهل العلم في ورد ولا صدر ولا ينبغي أن يكون معدودا منهم وإن ارتسم في ذهنه منه رسوم فهو من أزهد الناس فيها وأجفاهم لها وأقلهم احتفالا بها ولا فائدة في تعلمه راجعة إلى الدين قط بل غاية ما استفاده منه العلم وأهله تعريضه وتعريضهم للإهانة عند أهل الدنيا وإيقاعه وإيقاعهم في يد من لا يعرف للعلم قدرا ولا يرفع له ذكرا ولا يقيم له وزنا كما يشاهد من المتعلقين بالأعمال الدولية فإنهم يتلاعبون بطلبة المناصب الدنيوية غاية التلاعب ويعرضونهم للإهانة مرة بعد أخرى ويتلذذون بذلك ويبتهجون لأنهم يظنون أنها قد ارتفعت طبقتهم عن طبقات أهل العلم وحكموا تارة فيهم بالولاية وتارة بالعزل وتمرغوا على عتابتهم مرة بعد مرة فبهذه الوسيلة دخل على أهل العلم بما يصنعه هؤلاء من هذه الهنات الوضيعة والفعلات الشنيعة ما تبكي عيون العلم وأهله وتقوم عليه النواعي ويغضب له كل من له حمية دينة وهمة علية ولو علم أولئك المغرورون لم يبتهجوا بمن قصدهم من هؤلاء النوكاء فإنهم ليسوا من أهل العلم ولا بينهم وبينهم علاقة ولا فرق بينهم وبين من يطلب الأعمال الدولية التي لا تعلق لها بالعلم

ومن هذه الحيثية تنازل منصب العلم وتهاون الناس به لأنهم يرون رجلا قد لبس لباس أهل العلم وتزين بزيهم وحضر مجالسهم ثم ذهب إلى مجالس أهل الدنيا ومن لهم قدرة على إيصال أهل الأعمال الدنيوية إليها من وزير أو أمير فتصاغر لهم وتذلل وتهاون وتحقر حتى يصير في عداد خدمهم

<<  <   >  >>