عن الشور الذي أشرت به على الخليفة ويذكر ما قد ألقاه إليه الوزير الرافضي من خشية ثورة الأجناد والعامة فمازلت أعرفه بالصواب وأذكر له أن هذه الفتنة لو لم تحسم يومنا هذا بحبس المثيرين لها لهلك غالب الناس في الليلة الواصلة ونهبوا الأموال جهارا وأنه سيصل الأمر إلى الخليفة وأولاده فضلا عن غيرهم وعرفته أنه ما سيثور بسبب ذلك أجناد ولا غيرهم فإن هذا تسكين للفتنة لا إثارة لها
ولقد حمدوا هذه المشورة بعد حين وعرفوا أنها صواب وأن بها كان سكون تلك الفتنة التي غلت مراجلها وكادت تعم جميع أهل صنعاء ثم تسرى بعد ذلك إلى سائر الديار اليمنية
وأما العامة فلا يتسع المقام لسرد ما شوهد منهم من الصولة والجولة والاشتغال بهذا الأمر ولقد كنت أرى كثيرا من المنسوبين إلى العلم يبكون رحمة لإخوانهم المثيرين للفتنة لما حل بهم من العقوبة
ولقد تغيرت بهجة هذه المدينة العظيمة وتكدرت مشاربها العلمية وذهب رونق معارفها بما يصنعه جماعة المقصرين المغيرين لفطرتهم السليمة بما حدث من علم الروافض ودسائسهم التي هي أضر على المقصرين من السم القتال وأدوى على من لم تستحكم معرفته وترسخ في العلوم قدمه من الداء العضال على كثرة من فيها من العلماء المنصفين والطلبة المتميزين الأذكياء الماهرين فإنه قل أن يوجد بمدينة من المدائن ما يوجد الآن في صنعاء من رجوع أهل العلم بها إلى ما صح عن الشارع وعدم تعويلهم على الرأي وطرحهم للمذاهب عند قيام الدليل الناهض
فإن هذه مزية وفضيلة لا تكاد تعرف في سائر الأقطار إلا في الفرد الشاذ البالغ من العلم إلى منزلة علية مع مراجعته لفطرته وتفكره في طروء ما طرأ من المغيرات وتدبره لما قدمنا ذكره من الأسباب الموجبة للتعصب الحائلة بين المتمذهبين وبين الإنصاف