للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَمِنْ هَهُنَا سُمّيَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ: رُوحًا، وَالْوَحْيُ: رُوحًا، لِأَنّ بِهِ تَكُونُ حَيَاةُ الْقُلُوبِ، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً [فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها] الْأَنْعَامِ: ١٢٢ وَقَالَ فِي الْكُفّارِ: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ النّحْلِ: ٢١ وَقَالَ فِي النّفْسِ مَا تَقَدّمَ، وَقَالَ: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ يُوسُفَ: ٥٣ وَلَمْ يَقُلْ إنّ الرّوحَ لَأَمّارَةٌ؛ لِأَنّ الرّوحَ الّذِي هُوَ سَبَبُ الْحَيَاةِ لَا يَأْمُرُ بِسُوءِ، وَلَا يُسَمّى أَيْضًا نَفْسًا، كَمَا قَدّمْنَا حَتّى يَكْتَسِبَ مِنْ الْجَسَدِ الْأَوْصَافَ الْمَذْكُورَةَ، وَمَا كَانَ نَحْوَهَا، وَالْمَاءُ النّازِلُ مِنْ السّمَاءِ جِنْس وَاحِدٌ، فَإِذَا مَازَجَ أَجْسَادَ الشّجَرِ كَالتّفّاحِ وَالْفِرْسِكِ «١» وَالْحَنْظَلِ وَالْعُشُرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ، كَذَلِكَ الرّوحُ الْبَاطِنَةُ الّتِي هِيَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، هِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ أَضَافَهَا إلَى نَفْسِهِ تَشْرِيفًا لَهَا حِينَ قال: ونفخ فيه من روحه، ثُمّ يُخَالِطُ الْأَجْسَادَ الّتِي خُلِقَتْ مِنْ طِينٍ، وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ الطّينِ طَيّبٌ وَخَبِيثٌ، فَيَنْزِعُ كُلّ فَرْعٍ إلَى أَصْلِهِ، وَيَنْزِعُ ذَلِكَ الْأَصْلُ إلَى مَا سَبَقَ فِي أُمّ الْكِتَابِ، وَإِلَى مَا دَبّرَهُ وَأَحْكَمَهُ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَتَنَافَرُ النّفُوسُ، أَوْ تَتَقَارَبُ، وَتَتَحَابّ أَوْ تَتَبَاغَضُ عَلَى حَسَبِ التّشَاكُلِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَهِيَ مَعْنَى قَوْلِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ. وَقَدْ كَتَبَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ إلَى صَدِيقٍ لَهُ: «إنّ نَفْسِي غَيْرُ مَشْكُورَةٍ عَلَى الِانْقِيَادِ إلَيْك بِغَيْرِ زِمَامٍ؛ فَإِنّهَا صَادَفَتْ عِنْدَك بعض جواهرها، والشىء يتبع بعضه بعضا» .


(١) الفرسك، الخوخ أو ضرب منه أجرد أحمر، أو ما يتفلق عن نواه والعشر شجر يخرج من زهره وشعبه سكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>