. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبّاسٍ حِينَ سَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ تَأْوِيلِهَا، فَأَخْبَرَهُ أَنّ اللهَ تَعَالَى أَعْلَمَ فِيهَا نَبِيّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ بِانْقِضَاءِ أَجَلِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إلّا مَا قُلْت. وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وَعُمَرُ؛ لِأَنّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: فَاشْكُرْ رَبّك، وَاحْمَدْهُ، كَمَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: إنّمَا قَالَ: فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّك وَاسْتَغْفِرْهُ، إِنّهُ كَانَ تَوّابًا، فَهَذَا أَمْرٌ لِنَبِيّهِ عَلَيْهِ السّلَامُ بِالِاسْتِعْدَادِ لِلِقَاءِ رَبّهِ تَعَالَى وَالتّوْبَةِ إلَيْهِ، وَمَعْنَاهَا الرّجُوعُ عَمّا كَانَ بِسَبِيلِهِ مِمّا أُرْسِلَ بِهِ مِنْ إظْهَارِ الدّينِ، إذْ قَدْ فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ، وَتَمّ مُرَادُهُ فِيهِ، فَصَارَ جَوَابُ إذَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً مَحْذُوفًا. وَكَثِيرًا مَا يَجِيءُ فِي الْقُرْآنِ الْجَوَابُ مَحْذُوفًا، وَالتّقْدِيرُ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ، فَقَدْ انْقَضَى الْأَمْرُ، وَدَنَا الْأَجَلُ، وَحَانَ اللّقَاءُ، فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ، إِنّهُ كَانَ تَوّابًا ووقع فى مسند البزّاز مُبَيّنًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ فَقَالَ: فِيهِ:
فَقَدْ دَنَا أَجَلُك فَسَبّحْ، هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الّذِي فَهِمَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وَهُوَ حَذْفُ جَوَابِ إذا، ولمّا يَتَنَبّهْ لِهَذِهِ النّكْتَةِ حَسِبَ أَنّ جَوَابَ إذَا فى قوله سبحانه:
فسبّح، كَمَا تَقُولُ: إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَصُمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا التّأْوِيلِ مِنْ الْمُشَاكَلَةِ لِمَا قَبْلَهُ مَا فِي تَأْوِيلِ ابْنِ عَبّاسٍ فَتَدَبّرْهُ، فَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَحَسْبُك بِهِمَا فَهْمًا لِكِتَابِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَالْفَاءُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ رَابِطَةٌ لِلْأَمْرِ بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ، وَعَلَى مَا ظَهَرَ لِغَيْرِهِ رَابِطَةٌ لِجَوَابِ الشّرط الذى فى إذا.
[ذِكْرُ سَنَةِ تِسْعٍ وَتَسْمِيَتُهَا سَنَةَ الْوُفُودِ وَنُزُولُ سُورَةِ الْفَتْحِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: لَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكّةَ، وَفَرَغَ مِنْ تَبُوكَ، وَأَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ وَبَايَعَتْ، ضَرَبَتْ إليه وفود العرب من كلّ وجه.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، وَأَنّهَا كَانَتْ تُسْمَى سنة الوفود.
[انْقِيَادُ الْعَرَبِ وَإِسْلَامُهُمْ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَرَبّصَ بِالْإِسْلَامِ أَمْرَ هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَمّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنّ قُرَيْشًا كَانُوا إمَامَ النّاسِ وَهَادِيَهُمْ، وَأَهْلَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَصَرِيحَ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ، وَقَادَةَ الْعَرَبِ لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ هِيَ الّتِي نَصَبَتْ لِحَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخِلَافَهُ، فَلَمّا اُفْتُتِحَتْ مَكّةُ، وَدَانَتْ لَهُ قُرَيْشٌ، وَدَوّخَهَا الْإِسْلَامُ، وَعَرَفَتْ الْعَرَبُ أَنّهُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَدَاوَتِهِ، فَدَخَلُوا فِي دِينِ اللهِ، كَمَا قَالَ عَزّ وَجَلّ، أَفْوَاجًا، يَضْرِبُونَ إلَيْهِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً.
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً: أَيْ فَاحْمَدْ اللهَ عَلَى مَا أَظْهَرَ مِنْ دِينِك، وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كَانَ توابا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .