للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[استيلاء كنانة وخزاعة على البيت ونفى جرهم]

[ «بنو بكر يطردون جرهما» ]

ثُمّ إنّ جُرْهُمًا بَغَوْا بِمَكّةَ، وَاسْتَحَلّوا خِلَالًا مِنْ الْحُرْمَةِ، فَظَلَمُوا مَنْ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، وَأَكَلُوا مَالَ الْكَعْبَةِ الّذِي يُهْدَى لَهَا، فَرَقّ أَمْرَهُمْ. فَلَمّا رَأَتْ بَنُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، وَغُبْشَانُ مِنْ خُزَاعَةَ ذلك، أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مَكّةَ. فَآذَنُوهُمْ بِالْحَرْبِ فَاقْتَتَلُوا، فَغَلَبَتْهُمْ بَنُو بَكْرٍ وَغُبْشَانُ، فَنَفَوْهُمْ مِنْ مَكّةَ. وَكَانَتْ مَكّةُ فِي الْجَاهِلِيّةِ لَا تُقِرّ فِيهَا ظُلْمًا وَلَا بَغْيًا، وَلَا يَبْغِي فِيهَا أَحَدٌ إلّا أَخَرَجَتْهُ، فَكَانَتْ تُسَمّى: النّاسّةَ، وَلَا يُرِيدُهَا مَلِكٌ يَسْتَحِلّ حُرْمَتَهَا إلّا هَلَكَ مَكَانَهُ، فَيُقَالُ: إنّهَا مَا سُمّيَتْ بِبَكّةِ إلّا أَنّهَا كَانَتْ تَبُكّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ إذا أحدثوا فيها شيئا.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ بَكّةَ اسْمٌ لِبَطْنِ مَكّةَ؛ لِأَنّهُمْ يَتَبَاكَوْنَ فِيهَا، أَيْ: يَزْدَحِمُونَ، وَأَنْشَدَنِي:

إذَا الشّرِيبُ أَخَذَتْهُ أَكّهْ ... فَخَلّهِ حَتّى يَبُكّ بَكّهُ

أَيْ: فَدَعْهُ حَتّى يَبُكّ إبِلَهُ، أَيْ يُخَلّيهَا إلَى الْمَاءِ، فَتَزْدَحِمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ. وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ لِعَامَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ.

ــ

تَسَمّى: هَمْزَةَ جِبْرِيلَ بِتَقْدِيمِ الْمِيمِ عَلَى الزّايِ، وَيُقَالُ فِيهَا أَيْضًا: هَزْمَةُ جِبْرِيلَ، لِأَنّهَا هَزْمَةٌ «١» فِي الْأَرْضِ، وَحُكِيَ فِي اسْمِهَا: زُمَازِمُ وَزَمْزَمُ. حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْمُطْرِزِ، وَتُسَمّى أَيْضًا: طَعَامُ طعم، وشفاء سقم. وقال الجربىّ: سميت:


(١) فى النهاية لابن الأثير: الهزمة: النقرة فى الصدر، وفى التفاحة إذا غمزتها بيدك: وهزمت البئر إذا حفرتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>