أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكّةَ، وَلَمْ يَخْرَجْ فِيمَنْ خَرَجَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَقِيَهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أريد محمدا هذا الصابىء، الّذِي فَرّقَ أَمْرَ قُرَيْشٍ، وَسَفّهُ أَحْلَامَهَا، وَعَابَ دِينَهَا، وَسَبّ آلِهَتَهَا، فَأَقْتُلَهُ، فَقَالَ لَهُ نُعَيْمٌ: وَاَللهِ لَقَدْ غَرّتْك نَفْسُك مِنْ نَفْسِك يَا عُمَرُ، أَتَرَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ تَارِكِيك تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَقَدْ قَتَلْت مُحَمّدًا! أَفَلَا تَرْجِعُ إلَى أَهْلِ بَيْتِك فَتُقِيمَ أَمْرَهُمْ؟ قَالَ: وَأَيّ أَهْلِ بَيْتِي؟ قَالَ: خَتَنُك وَابْنُ عَمّك سَعِيدُ ابن زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَأُخْتُك: فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطّابِ، فَقَدْ وَاَللهِ أَسْلَمَا، وَتَابَعَا مُحَمّدًا عَلَى دِينِهِ، فَعَلَيْك بِهِمَا، قَالَ: فَرَجَعَ عُمَرُ عَامِدًا إلَى أُخْتِهِ وَخَتَنِهِ، وَعِنْدَهُمَا خَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ مَعَهُ صَحِيفَةٌ، فِيهَا: «طَه» يُقْرِئُهُمَا إيّاهَا، فَلَمّا سَمِعُوا حِسّ عُمَرَ تَغَيّبْ خَبّابٌ فِي مِخْدَعٍ لَهُمْ- أَوْ فِي بَعْضِ الْبَيْتِ- وَأَخَذَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطّابِ الصّحِيفَةَ، فَجَعَلَتْهَا تَحْتَ فَخِذِهَا، وَقْدَ سَمِعَ عُمَرُ حِينَ دَنَا إلَى الْبَيْتِ قِرَاءَةَ خَبّابٍ عَلَيْهِمَا، فَلَمّا دَخَلَ قَالَ: مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ الّتِي سَمِعْتُ؟ قَالَا لَهُ: مَا سَمِعْتَ شَيْئًا، قَالَ: بَلَى وَاَللهِ لَقَدْ أُخْبِرْت أَنّكُمَا تَابَعْتُمَا مُحَمّدًا عَلَى دِينِهِ، وَبَطَشَ بِخَتَنِهِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَامَتْ إلَيْهِ أُخْتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطّابِ لَتَكُفّهُ عَنْ زَوْجِهَا، فَضَرَبَهَا فَشَجّهَا، فَلَمّا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ وَخَتَنُهُ: نَعَمْ قَدْ أَسْلَمْنَا، وَآمَنّا بِاَللهِ وَرَسُولِهِ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَك: فَلَمّا رَأَى عُمَرُ مَا بِأُخْتِهِ مِنْ الدّمِ نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ، فَاِرْعَوى، وَقَالَ لأخته: أعطينى هذه الصحيفة التى سمعتكم تقرؤن آنِفًا أَنْظُرْ مَا هَذَا الّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ، وَكَانَ عُمَرُ كَاتِبًا، فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ، قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ:
إنّا نَخْشَاك عَلَيْهَا، قَالَ: لَا تَخَافِي، وَحَلَفَ لَهَا بِآلِهَتِهِ لَيَرُدّنّهَا إذَا قَرَأَهَا إلَيْهَا، فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ، طَمِعَتْ فِي إسْلَامِهِ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَخِي، إنّكَ نَجِسٌ، على
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute