ــ ــ - «الصواعق» ردا عظيما، وإليك بعض ما ذكره «إن النور جاء فى أسمائه تعالى، وهذا الاسم مما تلقته الأمة بالقبول، وأثبتوه فى أسمائه الحسنى ... ومحال أن يسمى نفسه نورا، وليس له نور ولا صفة النور ثابتة له، كما أن من المستحيل أن يكون عليما قديرا سميعا بصيرا، ولا علم له ولا قدرة بل صحة هذه الأسماء عليه مستلزمة لثبوت معانيها له، وانتفاء حقائقها عنه مستلزم لنفيها عنه، والثانى باطل قطعا فتعين الأول» ثم يقول: «إن النبى «ص» لما سأله أبو ذر هل رأيت ربك، قال: «نور أنى أراه» رواه مسلم فى صحيحه، وفى الحديث قولان: أحدهما: أن معناه: ثم نور، أى: فهناك نور منعنى رؤيته، ويدل على هذا المعنى شيئان أحدهما: قوله فى اللفظ الآخر فى الحديث. رأيت نورا، فهذا النور الذى رآه، هو الذى حال بينه وبين رؤية الذات. الثانى: قوله فى حديث أبى موسى: «إن الله لا ينام، ولا ينبغى له أن ينام، يخفض القسط، ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه، لأحزقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» رواه مسلم فى صحيحه.. المعنى الثانى فى الحديث أنه سبحانه نور، فلا يمكننى رؤيته، لأن نوره الذى لو كشف الحجاب عنه لاحترقت السموات والأرض وما بينهما مانع من رؤيته، فان كان المراد هو المعنى الثانى، فظاهر، وإن كان الأول فلا ريب أنه إذا كان نور الحجاب مانعا من ذاته، فنور ذاته سبحانه أعظم من نور الحجاب، بل الحجاب إنما استنار بنوره، فإن نور السموات إذا كان من نور وجهه- كما قال عبد الله بن مسعود- فنور الحجاب الذى فوق السموات أولى أن يكون من نوره، وهل يعقل أن يكون النور حجاب من ليس له نور؟! هذا أبين المحال، وعلى هذا، فلا تناقض بين قوله: «ص» : رأيت نورا، وبين قوله: «نور أنى أراه» فإن المنفى مكافحة الرؤية للذات المقدسة، والمثبت: رؤية ما ظهر من نور الذات» ثم يقول: «ما ثبت فى الصحيحين عن ابن عباس أن النبى «ص» كان يقول إذا قام من الليل: «اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض» الحديث وهو يقتضى أن كونه-. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ ــ - نور السموات والأرض مغاير لكونه رب السموات والأرض، ومعلوم أن إصلاحه السموات والأرض بالأنوار وهدايته لمن فيها هى ربوبيته، فدل على أن معنى كونه نور السموات والأرض أمر وراء ربوبيتهما» ثم ذكر ما نقله ابن فورك عن مذهب الأشعرى فى هذا، فقال: «إن المشهور من مذهبه- يعنى مذهب الأشعرى- بأن الله سبحانه نور لا كالأنوار حقيقة لا بمعنى أنه هاد، وعلى ذلك نص- أى الأشعرى- فى كتاب التوحيد فى باب مفرد لذلك تكلم فيه على المعتزلة، إذ تأولوا ذلك على معنى أنه هاد، فقال: إن سأل عن الله عز وجل أنور هو؟ قيل له: كلامك يحتمل وجهين إن كنت تريد أنه نور يتجزأ يجوز عليه الزيادة والنقصان، فلا وهذه صفة النور المخلوق، وإن كنت تريد معنى ما قاله الله سبحانه: (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فالله سبحانه نور السموات والأرض على ما قال، فإن قال: فما معنى قولك: نور؟ قيل له: قد أخبرناك ما معنى النور المخلوق، وما معنى النور الخالق، وهو سبحانه الذى ليس كمثله شىء، ومن تعدى أن يقول: الله نور، فقد تعدى إلى غير سبيل المؤمنين، لأن الله لم يكن يسمى نفسه لعباده بما ليس هو به، فإن قال لا أعرف النور إلا هذا النور المضىء المتجزىء، قيل له: فإن: كان لا يكون نور إلا كذلك، فكذلك لا يكون شيئا إلا وحكمه حكم ذلك الشىء، ثم قال ابن فورك: فإذا قال الله عز وجل: إنى نور، قلت: أنا هو نور على ما قال سبحانه وتعالى، وقلت أنت ليس هو نورا، فمن المثبت له على الحقيقة: أنا أو أنت؟ وكيف يتبين الحق فيه إلا من جهة ما أخبر الله سبحانه، والدافع لما قال الله كافر بالله» ثم ذكر ابن القيم ما يأتى: «وقال أبو بكر بن العربى: قد اختلف الناس بعد معرفتهم بالنور على ستة أقوال، الأول: معناه: هاد، قاله ابن عباس، والثانى معناه: منور، قاله ابن مسعود.:. والثالث، مزين، وهو يرجع إلى معنى منور قاله أبى بن كعب، الرابع: أنه ظاهر، الخامس: ذو النور. السادس: أنه نور لا كالأنوار، قاله أبو الحسن الأشعرى قال: وقالت المعتزلة: لا يقال له نور إلا بإضافة، قال: الصحيح عندنا أنه نور، لا كالأنوار، لأنه حقيقة، -