للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَسْجِدِي هَذَا، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ: وَفِي الْآخَرِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَقَدْ قَالَ لِبَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ حِينَ نَزَلَتْ: «لَمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التّقوى» مَا الطّهُورُ الّذِي أَثْنَى اللهُ بِهِ عَلَيْكُمْ؟ فَذَكَرُوا لَهُ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ بَعْدَ الِاسْتِجْمَارِ بِالْحَجَرِ، فقال: هوذا كم فَعَلَيْكُمُوهُ» «١» وَلَيْسَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ تَعَارُضٌ كِلَاهُمَا أُسّسَ عَلَى التّقْوَى، غَيْرَ أَنّ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: مِنْ أول يوم يَقْتَضِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ لِأَنّ تَأْسِيسَهُ كَانَ فِي أَوّلِ يَوْمٍ مِنْ حُلُولِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَارُ مُعْجِزَتِهِ وَالْبَلَدُ الّذِي هُوَ مُهَاجَرُهُ.

التّارِيخُ الْعَرَبِيّ:

وَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ وَقَدْ عُلِمَ أَنّهُ لَيْسَ أَوّلَ الْأَيّامِ كُلّهَا، وَلَا أَضَافَهُ إلَى شَيْءٍ فِي اللّفْظِ الظّاهِرِ [فَتَعَيّنَ أَنّهُ أُضِيفَ إلَى شَيْءٍ مُضْمَرٍ] فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ صِحّةُ مَا اتّفَقَ عَلَيْهِ الصّحَابَةُ مَعَ عُمَرَ حِينَ شَاوَرَهُمْ فِي التّارِيخِ، فَاتّفَقَ رَأْيُهُمْ أَنْ يَكُونَ التّارِيخُ مِنْ عَامِ الْهِجْرَةِ لِأَنّهُ الْوَقْتُ الّذِي عَزّ فِيهِ الْإِسْلَامُ، وَاَلّذِي أُمّرَ فِيهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَسّسَ الْمَسَاجِدَ. وَعَبَدَ اللهَ آمِنًا كَمَا يُحِبّ «٢» ، فَوَافَقَ رَأْيَهُمْ هَذَا ظَاهِرُ التّنْزِيلِ، وَفَهِمْنَا الْآنَ بفعلهم أن قوله


(١) ورد هذا فى روايات بينها وبين بعضها خلاف فى الطبرانى وأحمد وابن خزيمة. وقد أخرج عبد الرزاق والبخارى عن عروة وابن عائذ عن ابن عباس: الذى بنى فيهم المسجد الذى أسس على التقوى هم بنو عمرو بن عوف. ولكن ورد فى مسلم وأحمد والترمذى عن أبى سعيد الخدرى أنه مسجد المدينة، وبهذا جرم الإمام مالك.
(٢) نقل الحافظ فى الفتح عبارة السهيلى، فقال: «وأفاد السهيلى أن الصحابة اخذوا التاريخ بالهجرة من قوله تعالى لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ لأن من. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المعلوم أنه ليس أول الأيام مطلقا، فتبين أنه أضيف إلى شىء مضمر، وهو أول الزمن الذى عز فيه الإسلام، وعبد فيه النبى «ص» ربه آمنا، وابتدأ بناء المسجد، فوافق رأى الصحابة ابتداء التاريخ من ذلك اليوم، وفهمنا من فعلهم أن قوله تعالى من أول يوم أنه أول أيام التاريخ الإسلامى. كذا قال- يعنى السهيلى» ويعقب الحافظ على هذا بقوله: «والمتبادر أن معنى قوله من أول يوم أى دخل فيه النبى «ص» وأصحابه المدينة، والله أعلم» . ويقول ابن المنير: «كلام السهيلى تكلف وتعسف وخروج عن تقدير الأقدمين، فإنهم قدروه: من تأسيس أول يوم فكأنه قيل: من أول يوم وقع فيه التأسيس وهذا تقدير تقتضيه العربية» ص ٣٥٣ ج ١ المواهب. وعن أمر التاريخ روى الحاكم فى الإكليل عن الزهرى أن النبى «ص» هو الذى أمر بالتاريخ وهو بقباء. والحديث معضل والمشهور خلافه. وأخرج أبو نعيم الفضل بن دكين فى تاريخه ومن طريقه الحاكم من طريق الشعبى أن أبا موسى كتب إلى عمر إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم، أرخ بالمبعث، وبعضهم: بالهجرة، فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها أو بالمحرم، لأنه منصرف الناس من حجهم، فاتفقوا عليه، وذلك سنة سبع عشرة، وقيل كما روى ابن خيثمة عن ابن سيرين سنة سبع عشرة. وقيل: ست عشرة فى ربيع الأول ... والذى يفهم من مجموع الآثار أن الذى أشار بالمحرم عمر وعثمان وعلى ... وقيل: إن أول من أرخ يعلى بن أمية حين كان باليمن حكاه مغلطاى، ورواه أحمد بإسناد صحيح عن يعلى لكن فيه انقطاع بين عمرو بن دينار ويعلى. ويقول الزرقانى: «ولم يؤرخوا بالمولد ولا بالمبعث، لأن وقتهما لا يخلو من نزاع من حيث الاختلاف فيهما، ولا بالوفاة النبوية لما يقع فى تذكره من الأسف والتألم على فراقه ص ٢١٤ ح ٧ فتح البارى وص ٣٥٢ ح ١ شرح المواهب وأقول من يتدبر كلمة عمر رضى الله عنه فى وصف الهجرة يعرف لماذا اختاروا التاريخ بالهجرة دون غيره، وعن التاريخ العربى انظر كتاب المحبر لمحمد بن حيلب ص ٥ ط الهند.

<<  <  ج: ص:  >  >>