للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَنْ شَرَحَ شِعْرَهُ:

وَذَكَرَ مِنْ شِعْرِ صِرْمَةَ:

فَأُوصِيكُمْ بِاَللهِ وَالْبِرّ وَالتّقَى ... وَأَعْرَاضِكُمْ وَالْبِرّ بِاَللهِ أَوّلُ

بِرَفْعِ الْبِرّ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَأَوّلُ خَبَرٌ لَهُ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ فِي الظّاهِرِ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الظّرُوفِ الْمَبْنِيّةِ عَلَى الضّمّ أَنْ تَكُونَ خَبَرَ الْمُبْتَدَإِ، لَا تَقُولُ: الصّلَاةُ، قَبْلَ إلّا أَنْ تَقُولَ: قَبْلَ كَذَا، وَلَا الْخُرُوجُ بَعْدَ إلّا أَنْ تَقُولَ: بَعْدَ كَذَا، وَذَلِكَ لِسِرّ دَقِيقٍ قَدْ حَوّمَ عَلَيْهِمَا ابْنُ جِنّي «١» فَلَمْ يُصِبْ الْمُفَصّلَ، وَاَلّذِي مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَنّ هَذِهِ الْغَايَاتِ إنّمَا تَعْمَلُ فِيهَا الْأَفْعَالُ الْمَلْفُوظُ بِهَا لِأَنّهَا غَايَاتٌ لِأَفْعَالِ مُتَقَدّمَةٍ، فَإِذَا لَمْ تَأْتِ بِفِعْلِ يَعْمَلُ فِيهَا، لَمْ تَكُنْ غَايَةً لِشَيْءِ مَذْكُورٍ، وَصَارَ الْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَوِيّا، وَهُوَ: الِاسْتِقْرَارُ، وَهِيَ مُضَافَةٌ فِي الْمَعْنَى إلَى شَيْءٍ، وَالشّيْءُ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَعْنَوِيّ، لَا لَفْظِيّ، فَلَا يَدُلّ الْعَامِلُ الْمَعْنَوِيّ عَلَى مَعْنَوِيّ آخَرَ، إنّمَا يَدُلّ عَلَيْهِ الظّاهِرُ اللّفْظِيّ، فَتَأَمّلْهُ، فَالضّمّةُ فِي أَوّلُ عَلَى هَذَا حَرَكَةُ إعْرَابٍ، لَا حَرَكَةُ بِنَاءٍ، وَلَوْ قَالَ: ابْدَأْ بِالْبِرّ أَوّلُ لَكَانَتْ حَرَكَةَ بِنَاءٍ، لَكِنّ مَنْ رَوَاهُ: وَالْبِرّ بِاَللهِ أَوّلُ بِخَفْضِ الرّاءِ مِنْ الْبِرّ فَأَوّلُ حِينَئِذٍ ظَرْفٌ مَبْنِيّ عَلَى الضّمّ يَعْمَلُ فِيهِ: أُوصِيكُمْ

وَفِيهِ: وَإِنْ أَنْتُمْ أَمْعَرْتُمُ فَتَعَفّفُوا، الإمعار: الفقر «٢» .


(١) أنظر ص ٣٦٢ ح ٢ الخصائص لابن جنى.
(٢) فى رواية- كما ذكر الخشنى- أمعزتم: أى أصابتكم شدة، من قولهم رجل ماعز ومعز أى شديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>