للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التّأْوِيلِ: أَشَارَتْ إلَى مَعْنَى الْحَيْضِ أَنّ الْأُنْثَى تَحِيضُ، فَلَا تَخْدُمُ الْمَسْجِدَ، ولذلك قال: (وليس الذكر كالأنثى) لِأَنّ الذّكَرَ لَا يَحِيضُ، فَهُوَ أَبَدًا فِي خِدْمَةِ الْمَسْجِدِ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ حَسَنَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْقِيَاسُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: وَلَيْسَ الْأُنْثَى كَالذّكَرِ، لِأَنّهَا دُونَهُ، فَمَا بَالُهُ بَدَأَ بِالذّكْرِ؟ وَالْجَوَابُ: أَنّ الْأُنْثَى إنّمَا هِيَ دُونَ الذّكَرِ فِي نَظَرِ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنّهُ يَهْوَى ذكران البنين، وهم مع الأمول زِينَةُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَأَقْرَبُ إلَى فِتْنَةِ الْعَبْدِ، وَنَظَرُ الرّبّ لِلْعَبْدِ خَيْرٌ مِنْ نَظَرِهِ لِنَفْسِهِ، فَلَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى عَلَى هَذَا، بَلْ الْأُنْثَى أَفْضَلُ فِي الْمَوْهِبَةِ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ:

يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً فبدأ بذكرهنّ قبل الذكور، وفى الحديث: ابدؤوا بِالْإِنَاثِ، يَعْنِي: فِي الرّحْمَةِ وَإِدْخَالِ السّرُورِ عَلَى الْبَنِينَ، وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ دَخَلْت أَنَا وَهُوَ الْجَنّةَ كَهَاتَيْنِ» «١» فَتَرَتّبَ الْكَلَامُ فِي التّنْزِيلِ عَلَى حَسْبِ الْأَفْضَلِ فِي نَظَرِ اللهِ لِلْعَبْدِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ.

الْمُبَاهَلَةُ فَصْلٌ: وَذَكَرَ دُعَاءَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَهْلَ نَجْرَانَ إلى المباهلة «٢» ، وأنهم


(١) رواية مسلم: «من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه» وقريب من هذه رواية الترمذى.
(٢) أخرج البخارى بسنده عن حذيفة رضى الله عنه قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريدان أن يلاعناه قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل فو الله لئن كان نبيا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من، بعدنا، قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلا أمينا ولا تبعث-

<<  <  ج: ص:  >  >>