للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَالْأَلْفُ هُمْ الّذِينَ قَاتَلُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمْ الّذِينَ قَالَ اللهُ لَهُمْ: فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا فِي صُوَرِ الرّجَالِ، وَيَقُولُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ اُثْبُتُوا، فَإِنّ عَدُوّكُمْ قَلِيلٌ، وَإِنّ اللهَ مَعَكُمْ وَنَحْوَ هَذَا، وَقَوْلُ اللهِ سُبْحَانَهُ: وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ جَاءَ فِي التّفْسِيرِ أَنّهُ مَا وَقَعَتْ ضَرْبَةٌ يَوْمَ بَدْرٍ إلّا فِي رَأْسٍ أَوْ مِفْصَلٍ، وَكَانُوا يَعْرِفُونَ قَتْلَى الْمَلَائِكَةِ مِنْ قَتْلَاهُمْ، بِآثَارِ سُودٍ فِي الْأَعْنَاقِ وَفِي الْبَنَانِ، كَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ «١» ، وَيُقَالُ لمفاصل الأصابع وغيرها بنان


(١) يقول الشيخ رشيد رضا رحمه الله- فى تفسير المنار: «مقتضى السياق أن وحى الله الملائكة قد تم بأمره إياهم بتثبيت المؤمنين كما يدل عليه الحصر فى فى قوله عن إمداد الملائكة: (وما جعله الله إلا بشرى) إلخ وقوله تعالى: (سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب) الخ: بده كلام خوطب به النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون تتمة للبشرى فيكون الأمر بالضرب موجها إلى المؤمنين قطعا، وعليه المحققون الذين جزموا بأن الملائكة لم تقاتل يوم بدر تبعا لما قبله من الآيات، وقيل إن هذا مما أوحى إلى الملائكة، وتأوله هؤلاء بأنه تعالى أمرهم بأن يلقوا هذا المعنى فى قلوب المؤمنين بالإلهام كما كان الشيطان يخوفهم، ويلقى فى قلوبهم ضده بالوسواس، ولا يرد على الأول ما قيل من أنه لا يصح إلا إذا كان الخطاب قد وجه إلى المؤمنين قبل القتال، والسورة قد نزلت بعده، لأن نزول السورة بنظمها وترتيبها بعده لا ينافى حصول معانيها قبله، وفى أثنائه فان البشارة بالإمداد بالملائكة، وما وليه قد حصل قبل القتال، وأخبر به النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه، ثم ذكرهم الله تعالى به بانزال السورة برمتها تذكيرا بمننه، ولولا هذا لم تكن للبشارة تلك الفائدة، والخطاب فى السياق كله موجه إلى المؤمنين، إنما ذكر فيها وحيه تعالى للملائكة بما ذكر عرضا،.. وقد وردت روايات ضعيفة تدل على قتال الملائكة لم يعبأ الإمام ابن جرير بشىء منها. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
- وإذا كان تأييد الله للمؤمنين بالتأييدات الروحانية التى تضاعف القوة المعنوية، وتسهيله لهم الأسباب الحسية كانزال المطر، وما كان له من الفوائد لم يكن كافيا لنصره إياهم على المشركين بقتل سبعين وأسر سبعين حتى كان ألف- وقيل آلاف- من الملائكة يقاتلون معهم.. فأى مزية لأهل بدر فضلوا بها على سائر المؤمنين ممن غزوا بعدهم، وأذلوا المشركين، وقتلوا منهم الألوف، وبماذا استحقوا قول الرسول «ص» لعمر: «وما يدريك لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» رواه البخارى ومسلم وغيرهما. وفى كتب السير وصف للمعركة علم منه القاتلون والآسرون لأشد المشركين بأسا، فهل تعارض هذه البينات النقلية والعقلية بروايات لم يرها شيخ المفسرين ابن جرير بأن تنقل، ولم يذكر ابن كثير منها إلا قول الربيع ابن أنس: كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوا بضرب فوق الأعناق، وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به.. ومن أين جاء للربيع بهذه الدعوى، ومن الذى رؤى من القتلى بهذه الصفة؟ وكم عدد من قتل الملائكة من السبعين؟، وعدد من قتل أهل بدر غير من سموا وقالوا: قتلهم فلان وفلان كفانا الله شر هذه الروايات الباطلة التى شوهت التفسير، وقلبت الحقائق حتى إنها خالفت نص القرآن نفسه، فالله تعالى يقول فى إمداد الملائكة (وما جعله الله إلا بشرى، ولتطمئن به قلوبكم) وهذه الروايات تقول: بل جعلها مقاتلة، وأن هؤلاء السبعين الذين قتلوا من المشركين لم يمكن قتلهم إلا باجتماع ألف أو ألوف من الملائكة عليهم مع المسلمين الذين خصهم الله بما ذكر من أسباب النصر المتعددة. ألا إن فى هذا من شأن تعظيم المشركين ورفع شأنهم وتكبير شجاعتهم وتصغير شأن أفضل أصحاب الرسول «ص» وأشجعهم ما لا يصدر عن عاقل إلا وقد سلب عقله لتصحيح روايات باطلة لا يصح لها سند، ولم يرفع منها إلا حديث مرسل عن ابن عباس ذكره الألوسى وغيره بغير سند، وابن عباس لم يحضر غزوة بدر لأنه كان صغيرا، رواياته عنها حتى فى الصحيح مرسلة، وقد-

<<  <  ج: ص:  >  >>