(٢) فى زاد المعاد لابن القيم «قال الواقدى: كان رداؤه وبرده طول ستة أذرع فى ثلاثة وشبر، وإزاره من نسج عمان طوله أربعة أذرع وشبر، فى عرض ذراعين وشبر» ص ٧١ ح ١ زاد المعاد وانظر فيه تفصيل ملابسه صلى الله عليه وسلم، وفى ص ٥٦٨ ح ٢ الوفا بأحوال المصطفى والمواهب اللدنية بداية الجزء الخامس. (٣) لا ريب فى أن كل ما يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم يثير ما يثير فى النفس من شوق وحنين قد تعبر عنها أحيانا الدموع أصدق الدموع، وتهفو بالروح إلى حيث كانت تلك السيرة القدسية. غير أنا نقول دائما: إننا يجب أن نعنى بسيرة النبى صلى الله عليه بعد البعثة، حيث فرض الله علينا أن يكون لنا وحده- صلى الله عليه وسلم- هو الأسوة الحسنة. ولقد قوم القرآن لنا حياته عليه الصلاة والسلام قبل البعثة وبعدها، فلنهتد بنور القرآن فى هذا التقويم ليكون لنا نبراسا وفيصلا فيما يجب علينا أن نأتسى به. وهاهى ذى آيات من القرآن بها نسترشد ونستهدى فى هذا. محمد قبل البعثة: ولا ريب فى أن النص من القرآن يلغى كل وصف يعارضه، ويحكم ببطلانه. فلنتدبر معا. (ألم يحدك يتيما فآوى. ووجدك ضالا فهدى. - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . - ووجدك عائلا فأغنى) والمهم هنا الآية الثانية، ولنحذر أن تفتننا العاطفة الساحرة عن حقيقة معناها ولنحذر أيضا من إلغاء معناها، وإلا كان الكفر الصراح البواح، ولنحذر أيضا من أن نظن أن الإيمان بها ينال من مكانة النبى صلى الله عليه وسلم، ولنتدبر معا أيضا: (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك، وما يضلون إلا أنفسهم، وما يضرونك من شىء، وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة، وعلمك ما لم تكر تعلم، وكان فضل الله عليك عظيما) النساء: ١١٣ فما أضل الذين يزعمون أنه كان يعلم بالقرآن قبل نزوله. بداية الآية تؤكد وجود بشرية فقيرة إلى عون الله وفضله، وختامها يؤكد أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم الكتاب، ولا الحكمة، وأنه علم من الله ما لم يكن يعلم. ولنتدبر معا أيضا: (وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك، فلا تكونن ظهيرا للكافرين) القصص: ٨٦ (وما كنت تتلو من قبله من كتاب، ولا تخطه بيمينك إذا لا رتاب المبطلون) العنكبوت: ٤٨ (وكذلك أرحينا إليك روحا من أمرنا، ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان. ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا. وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم) الثورى: ٥٢. (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات. قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله، قل: ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى، إن أتبع إلا ما يوحى إلى إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم. قل لو شاء الله ما تلونه عليكم، ولا أدراكم به، فقد لبثت فيكم عمرا من قبله. أفلا تعقلون) يونس: ١٥، ١٦ هذا تقويم لحياة النبى صلى الله عليه وسلم، يؤكد لنا ما يأتى بعضه: إنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف الكتاب ولم يكن يعرف الإيمان، وأن الله وجده ضالا، فهداه، وأنه لم يكن يرجو أن يلقى إليه الكتاب، ولهذ لم يفرض الله علينا الاقتداء به صلى الله عليه وسلم فى هذه الفترة، وإنما فرض علينا أن نتخذه أسوة بعد أن صار رسولا تقويم لحياته بعد الرسالة: - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . - يقول سبحانه فى سورة النجم (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ، وَما غَوى، وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) جاءه الوحى، فكانت هذه الصفات العظيمة التى بها زكى الله فكره وقلبه ولسانه. (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ، وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الأعراف: ١٥٨. (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) البقرة: ١٥١. وهذا تقويم لرسالته وأثرها فى البشرية (قُلْ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ، فَإِنْ تَوَلَّوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) آل عمران: ٣٢. (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب: ٥٦ رأى تمجيد أعظم من هذا لعبد اصطفاه الله ليختم به النبوة؟ (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) الفتح: ١٠. هكذا تؤكد الآية أن من بايع محمدا- صلى الله عليه وسلم- فإنما بايع الله سبحانه، أفترجو البشر فى تطلعها إلى الخلود مقاما أعظم؟ كلا. ثم تدبر هذا التقويم الأعظم إذ يجعل الله طاعة الرسول- صلى الله عليه وسلم- هى القاعدة لطاعته، أو المعراج إلى طاعته جل شأنه، وهذا فى قوله سبحانه (من يطع الرسول، فقد أطاع الله) النساء: ٨٠. (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ، فَاتَّبِعُونِي، يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) . فليس ثمت وسيلة إلى محبة الله سوى طاعته صلى الله عليه وسلم واتباعه. (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) الأحزاب: ٤٠. (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) الأحزاب: ٥٧. - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . - هو الخاتم للنبوة، ومن يؤذه رجمته لعنة الله فى الدارين، وتجرع العذاب المهين. (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ، وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب: ٢١. وتدبر قوله جل شأنه (رَسُولَ اللَّهِ) أتى بالوصف الذى به فرض علينا أن نتخذه أسوة، وصف أنه رسول الله، لو وضع مكانها كان لكم فى محمد، لفرض علينا اتخاذه أسوة فى حاليه قبل البعثة وبعدها. (إِنَّكَ مَيِّتٌ، وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) فاحذر أن يهوم بك الخيال، فتظنه خالدا فالله يقول (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ، أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) ووضع إنك وإنهم هكذا متجاورين فى الآية التى تؤكد أنه سيموت تؤكد لك أن موته هوموتنا، حتى لا يخدعنك بالتمويه دجال. لهذا يجب علينا أن نذكر أنفسنا وأبناءنا وإخواننا دائما بما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم بعد بعثته أكثر من التذكير بمولده صلى الله عليه وسلم. ولتقارن بين القرآن وبين أسطورة هذى بها ابن عربى فأجت أجيج النار فى الهشيم، وسلبت ألوف الألوف حسن اعتقادهم فى الله ورسوله، وقد ردد هذه الأسطورة فى كتابه الكبير (الفتوحات المكية) وعنه نقلها الشعرانى فى التمجيد والتعظيم وذلك فى كتابه «الكبريت الأحمر فى بيان علوم الشيخ الأكبر» . وإليك ما قاله ابن عربى «إعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى القرآن مجملا قبل جبريل من غير تفصيل الآيات والسور، فقيل له: لا تعجل بالقرآن الذى عندك قبل جبريل، فتلقيه على الأمة مجملا، فلا يفهم أحد عنك لعدم تفصيله» ص ٦ الكبريت الأحمر المطبوع على هامش اليواقيت والجواهر سنة ١٣٠٧ هـ وتأمل قول عبد الكريم الجيلى- وهو من هو- عند الصوفية (اعلم أن الله تعالى لما خلق النفس المحمدية من ذاته، وذات الحق جامعة للضدين، خلق الملائكة العالين فى حيث صفات الجمال والنور والهدى من نفس محمد، وخلق إبليس وأتباعه من حيث صفات الجلال والظلمة والضلال من نفس محمد، -