. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زُهِيَ وَازْدَهَى، وَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ مِنْ مِثْلِ «١» هَذَا إلّا بِاللّامِ، لِأَنّ الْفِعْلَ فِيهِ لِغَيْرِ الْمُخَاطَبِ، وَإِذَا أُمِرَ مَنْ لَيْسَ بِمُخَاطَبِ، فَإِنّمَا يُؤْمَرُ بِاللّامِ كَقَوْلِك:
لِتُزْهَ يَا فُلَانٌ وَلِتُعْنَ بِحَاجَتِي، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَيْضًا أَنْ لَا يُقَالَ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ:
مَا أَفْعَلَهُ، وَلَا هُوَ أَفْعَلُ مِنْ كَذَا، كَمَا لَا يُقَالُ فِي الْمَرْكُوبِ: مَا أَرْكَبَهُ، وَلَا فِي الْمَضْرُوبِ، مَا أَضْرَبَهُ، وَلَكِنّهُ قَدْ جَاءَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ: مَا أَزْهَاهُ، وَمَا أَعْنَاهُ بِحَاجَتِي، وَقَالُوا: هُوَ أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النّحْيَيْنِ، وَهُوَ أَزْهَى مِنْ غُرَابٍ، وَالْفِعْلُ فِي هَذَا كُلّهِ زُهِيَ وَشُغِلَ فَهُوَ مَشْغُولٌ وَمَزْهُوّ. وَقِيلَ فِي الْمَجْنُونِ مَا أَجَنّهُ حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ [صَالِحُ بْنُ إسْحَاقَ] الْجَرْمِيّ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: وَاعْلَمْ أَنّ الْعَرَبَ تُقَدّمُ فِي كَلَامِهَا مَا هُمْ بِهِ أَهَمّ، وهم ببيانه أعنى، وإن كانا جَمِيعًا يَهُمّانِهِمْ، وَيَعْنِيَانِهِمْ، فَقَالَ أَهَمّ وَأَعْنَى، وَهُوَ مِنْ هَمّهِمْ وَعَنَاهُمْ، فَهُمْ بِهِ مَعْنِيّونَ مِثْلَ مَضْرُوبُونَ، فَجَازَ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ مَا تَرَى، وَسَبَبُ جَوَازِهِ: أَنّ الْمَفْعُولَ فِيهَا فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى، فَالْمَزْهُوّ مُتَكَبّرٌ وَكَذَا الْمَنْخُوّ وَالْمَشْغُولُ مُشْتَغِلٌ وَفَاعِلٌ لِشُغْلِهِ، وَالْمَعْنِيّ بِالْأَمْرِ كَذَلِكَ، وَالْمَجْنُونُ كَالْأَحْمَقِ، فَيُقَالُ: مَا أَجَنّهُ، كَمَا يُقَالُ: مَا أَحْمَقَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَضْرُوبٌ، وَلَا مَرْكُوبٌ وَلَا مَشْتُومٌ، وَلَا مَمْدُوحٌ، فَلَا يُقَالُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ: مَا أَفْعَلَهُ، وَلَا هُوَ أَفْعَلُ مِنْ غَيْرِهِ.
فَإِنْ قُلْت: فَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَيْضًا أَنْ يُؤْمَرَ فِيهِ بِغَيْرِ اللّامِ، كَمَا يُؤْمَرُ الْفَاعِلُ إذًا، وَقَدْ قُلْتُمْ: أَنّهُ فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى فَالْجَوَابُ: أَنّ الْأَمْرَ إنّمَا هُوَ بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ تَضْرِبُ وَتَخْرُجُ، فَإِذَا أَمَرْت حذفت حرف المضارعة،
(١) فى الأصل ولا يكون إلا من مثل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute