للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بَيْنَ جُرْهُمٍ وَخُزَاعَةَ: فَصْلٌ: فَلَمّا كَانَ مِنْ بَغْيِ جُرْهُمٍ مَا كَانَ، وَافَقَ تَفَرّقَ سَبَأٍ مِنْ أَجْلِ سَيْلِ الْعَرِمِ، وَنُزُولَ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ أَرْضَ مَكّةَ، وَذَلِكَ بِأَمْرِ طَرِيفَةَ الْكَاهِنَةِ، وَهِيَ امْرَأَةُ عَمْرِو بْنِ مُزَيْقِيَاءَ «١» وَهِيَ مِنْ حِمْيَرَ، وَبِأَمْرِ عِمْرَانَ ابن عَامِرٍ أَخِي عَمْرٍو، وَكَانَ كَاهِنًا أَيْضًا، فَنَزَلَهَا هُوَ وَقَوْمُهُ، فَاسْتَأْذَنُوا جُرْهُمًا أَنْ يُقِيمُوا بِهَا أَيّامًا، حَتّى يُرْسِلُوا الرّوّادَ، وَيَرْتَادُوا مَنْزِلًا حَيْثُ رَأَوْا مِنْ الْبِلَادِ، فَأَبَتْ عَلَيْهِمْ جُرْهُمٌ، وَأَغْضَبُوهُمْ، حَتّى أَقْسَمَ حَارِثَةُ أَلّا يَبْرَحَ مَكّةَ إلّا عَنْ قِتَالٍ وَغَلَبَةٍ، فَحَارَبَتْهُمْ جُرْهُمٌ، فَكَانَتْ الدّوْلَةُ لِبَنِي حَارِثَةَ عَلَيْهِمْ، وَاعْتَزَلَتْ بَنُو إسْمَاعِيلَ، فَلَمْ تَكُنْ مَعَ أَحَدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَتْ خُزَاعَةُ- وَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ- مَكّةَ، وَصَارَتْ وِلَايَةُ الْبَيْتِ لَهُمْ، وَكَانَ رَئِيسُهُمْ عَمْرَو بْنَ لُحَيّ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ قَبْلُ، فَشَرّدَ بَقِيّةَ جُرْهُمٍ، فَسَارَ فَلّهُمْ فِي الْبِلَادِ، وَسُلّطَ عَلَيْهِمْ الذّرّ وَالرّعَافُ «٢» ، وَأَهْلَكَ بَقِيّتَهُمْ السّيْلُ بِإِضَمَ، حَتّى كَانَ آخِرَهُمْ مَوْتًا امْرَأَةٌ رِيئَتْ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْهَا بِزَمَانِ، فَعَجِبُوا مِنْ طُولِهَا وَعِظَمِ خِلْقَتِهَا، حَتّى قَالَ لَهَا قَائِلٌ: أَجِنّيّةٌ أَنْتِ أَمْ إنْسِيّةٌ؟!، فَقَالَتْ: بَلْ إنْسِيّةٌ مِنْ جُرْهُمٍ، وَأَنْشَدَتْ رَجَزًا فِي مَعْنَى حَدِيثِهِمْ، وَاسْتَكْرَتْ بَعِيرًا مِنْ رَجُلَيْنِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَاحْتَمَلَاهَا عَلَى


(١) فى جمهرة «ابن حزم» : عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء ص ٤٥٣. وفى الاشتقاق «لابن دريد» : ولد حارثة عامرا وهو ماء السماء، وولد عامر عمشرا «بفتح العين وسكون الميم» وهو مزيقياء» فعمرو- إذن- هو مزيقياء لا ابن مزيقياء ٤٣٥.
(٢) الذر: صغار النمل، والرعاف: الدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>