إنه نزّاع إلى إخضاع كل شئ فى وضح الشهود، أو فى سرائر الغيب لمقاييسه العقلية، أو- بتعبير أدق- لهواه يعبق بالفتنة الخلوب، فالخير هو ما يرى، أو ما يشعر أنه خير، وكذلك الشر، وكذلك الحق والباطل، وإن يك كلّ ذلك فى مقياس الحقيقة مناقضا لرؤيته ووجدانه.
مثل هذا المترف بعبادة العقل، أو المسرف فى الجحود ينظر إلى محمد، وكأنما هو بشر بلا نبوة، أو آدمى هواه يقود نوازع حسّه، ويبطش بعواطف نفسه، وبهذه النظرة يرى فى محمد ما يرى الكفر فى الإيمان، وما يرى الخبث فى الطيب، وما يرى الحقد فى النعم المتلألئة الوسامة، الناضرة الجمال.
ويقول عنه عين ما تقول العداوة فى جهالتها وحماقتها وضلالتها المركومة، ويسخر فى أعماقه التى تفح فيها أفاعية من قولنا: صلى الله عليه وسلم.
ونحن المسلمين نعوذ بالله من هؤلاء الذين أسرفوا فى التجريد والجحود والحقود، ومن أولئك الذين أسرفوا فى العشق، وعاشوا أنضاءه، فرأوا الوجود كله أنوثة تلفح بالحرمان والصدود، حين استبد بهم غرام جسدى لم يبرد لهم أواما، ولم يند منهم غليلا. ولم يقرّ بهم فى سكن.
فكان هذا التصور لمحمد، وكان هذا التصوير منهم للحقيقة.
إن الكتابة عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- تفرض علينا أن نكون على بينة من الكتاب والسنة، وأن نجعل ما نقول حليفا للحق، ووليا للصدق، وكذلك يفرض على كلّ من يتصدى لتحقيق كتاب عن خاتم النبيين.
ومن هنا تتجلى لنا خطورة الأمر وجلالته! فقد خلف لنا أسلافنا تراثا