للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«ولكن ها هنا أمرٌ لابد من بيانه، وهو أن من شرط انتفاع العليل بالدواء قبوله واعتقاد النفع به، حتى إن كثيرًا من المعالجات تنفع بالاعتقاد وحسن القبول وكمال التلقي، وقد شاهد الناس من ذلك عجائب.

واعتبر هذا بأعظم الأدوية والأشفية، وأنفعها للقلوب والأبدان والمعاش والمعاد والدنيا والآخرة، وهو القرآن الذي هو شفاءٌ من كل داء، كيف لا ينفع القلوب التي لا تعتقد فيه الشفاء والنفع، بل لا يزيدها إلا مرضًا إلى مرضها! وليس لشفاء القلوب قط دواءٌ أنفع من القرآن، فإنه شفاؤها التام الكامل الذي لا يغادر فيها سقمًا إلا أبرأه، ويحفظ عليها صحتها المطلقة، ويحميها الحِمية التامة من كل مؤذٍ ومضر، ومع هذا فإعراض أكثر القلوب عنه، وعدم اعتقادها الجازم الذي لا ريب فيه أنه كذلك، وعدم استعماله، والعدول إلى الأدوية التي ركبها بنو جنسها حال بينها وبين الشفاء به، وغلبت العوائد، واشتد الإعراض، وتمكنت العلل والأدواء المزمنة من القلوب، وتربى بعض المرضى والأطباء على علاج بني جنسهم، فعظم المصاب، واستحكم الداء، وتركبت أمراضٌ وعللٌ أعيا علاجها، ولسان الحال يُنادي:

وَمِنَ العَجَائِبِ وَالعَجَائِبُ جَمَّةٌ ... قُرْبُ الشِّفَاءِ وَمَا إِلَيْهُ وُصُولُ

كَالعَيْسِ فِي البَيْدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّمَا ... وَالمَاءُ فَوْقَ ظُهُورِهَا مَحْمُولُ» (١)


(١) زاد المعاد (٤/ ١٤٠ - ١٤١) بتصرف.

<<  <   >  >>