للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال زيد بن أسلم: حمى عمر مريضًا له، حتى إنه من شدة ما حماه كان يمصُّ النوى (١).

وبالجملة: فالحمية من أكبر الأدوية قبل الداء فتمنع حصوله، وإذا حصل فتمنع تزايده وانتشاره.

ومما ينبغي أن يُعلم أن كثيرًا مما يُحمى عنه العليل والناقه والصحيح، إذا اشتدت الشهوة إليه، ومالت إليه الطبيعة، فتناول منه الشيء اليسير الذي لا تعجز الطبيعة عن هضمه لم يضره تناوله، بل ربما انتفع به، فإن الطبيعة والمعدة تتلقيانه بالقبول والمحبة، فيصلحان ما يُخشى من ضرره، وقد يكون أنفع من تناول ما تكرهه الطبيعة وتدفعه من الدواء.

ولهذا أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- صهيبًا - وهو أرمد - على تناول التمرات اليسيرة، وعلم أنها لا تضره (٢). ومن هذا ما يروى عن علي -رضي الله عنه- أنه دخل على رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-، وهو أرمد، وبين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- تمرٌ يأكله، فقال: «يَا عَلِيُّ، تَشْتَهِيهِ؟»، ورمى إليه بتمرة، ثم بأخرى حتى رمى إليه سبعًا، ثم قال: «حَسْبُكَ يَا عَلِيُّ» (٣).


(١) قال محققو الزاد: أخرجه الحاكم (٤/ ٢٠٧) من طريق مسلم بن خالد الزنجي، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: «مرضت في زمان عمر بن الخطاب مرضًا شديدًا، فدعا لي عمر طبيبًا، فحماني حتى كنت أمص النواة من شدة الحمية»، وصححه الذهبي كما في مختصر التلخيص ٩٣٤، والزنجي متكلم فيه ولكنه لم ينفرد به، بل تابعه عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده مختصرًا، كما عند حرب في مسائله (٢/ ٨٣٦ - رسالة جامعية).
(٢) تقدم تخريجه قريبًا.
(٣) قال محققو الزاد: أخرجه أبو نعيم في الطب النبوي ٧٠٥ من طريق العلاء، عن أبيه، عن علي -رضي الله عنه- به، وحسن إسناده السيوطي في الجامع الكبير كما في الكنز ٢٨٤٧١، لكن الراوي عن العلاء: الزنجي بن خالد - وهو مسلم المتقدم ذكره - متكلم فيه، قال ابن عدي في الكامل (٦/ ٣١١): هذا الحديث عن العلاء غير محفوظ، وجاء من وجه آخر مرسلاً، أخرجه ابن أبي شيبة ٢٤١٣٤ عن حفص، عن جعفر عن أبيه قال: أُهدي للنبي -صلى الله عليه وسلم- قناع من تمر وعليٌّ محموم، قال: فنبذ إليه تمرة، ثم أخرى، حتى ناوله سبعًا، ثم كف يده وقال: «حسبك»، وله طريق ثالث تالف، أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ٣٨٣) من طريق سيف بن محمد عن الثوري عن عمرو بن مُرة عن أبي البختري عن علي -رضي الله عنه- بمعناه، وقال غريب من حديث الثوري، تفرد به سيف، وهو ابن أخت لسفيان، قد كذبوه، وتقدم تخريج حديث أم المنذر -رضي الله عنها- في حمية النبي لعلي -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>