للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هذا ما رواه ابن ماجه في سننه (١) من حديث عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عاد رجلًا فقال له: «مَا تَشْتَهِي؟» فقال: أشتهي خبز بُر، وفي لفظ: أشتهي كعكًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ خُبْزُ بُرٍّ، فَلْيَبْعَثْ إِلَى أَخِيهِ»، ثم قال: «إِذَا اشْتَهَى مَرِيضُ أَحَدِكُمْ شَيْئًا فَلْيُطْعِمْهُ».

ففي هذا الحديث سرٌّ طبي لطيف (٢)، فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوعٍ صادقٍ طبيعي، وكان فيه ضررٌ ما، كان أنفع


(١) قال محققو الزاد: ١٤٣٩، ٣٤٤٠، وأخرجه أيضًا تمام في الفوائد ٦٤١، وأبو نعيم في الطب النبوي ٧٠٢، وصححه الضياء في المختارة ٢٩٩، وحسن إسناده ابن مفلح في الآداب الشرعية (٢/ ٣٤٤)، والبوصيري في المصباح (٢/ ٢٠)، لكن فيه صفوان بن هبيرة، قال العقيلي في الضعفاء (٢/ ٢١٢): «لا يُتابع على حديثه، ولا يُعرف إلا به»؛ ولذا حكم بنكارته أبو حاتم كما في العلل لابنه ٢٤٨٨، والذهبي في الميزان (٢/ ٣١٦)، وأشار ابن حجر في نتائج الأفكار (٤/ ٢٣٧) إلى لينه.
(٢) قال محققو الزاد: هذا السر الطبي اللطيف مأخوذ من كتاب الحموي ص ٢٦٦ والحموي أخذه من الأربعين الطبية لعبد اللطيف البغدادي ص ١٠٢، وقال البغدادي بعد ذلك: «وطالما رأيت وسمعت مرضى يشتهون أشياء ينكرها الطبيب، فيتناولونها على رغمه، فيعقبها الشفاء، فإذا فحص الطبيب عن علة ذلك ألفاها صحيحة مطابقة، وما ذلك إلا لعجز البشر عن اقتناء كل ما في طبيعة الأشياء، فينبغي للطبيب الكيس أن يجعل شهوة المريض من جملة أدلته على طبيعته ومما يهتدي به إلى طريق علله، فسبحان المستأثر بالغيب». والمؤلف رحمه الله لم يقف على كتاب البغدادي، وإلا لتلقف كلامه وساقه في هذا الفصل استحسانًا له.

<<  <   >  >>