ولعله لهذا السبب وإن نقل لعلاقة, فإن اشتهر في الثاني أي: بحيث صار فيه أغلب من الأول كما في المحصول، وذلك كالصلاة سمي بالنسبة إلى المعنى الأول منقولا عنه، وبالنسبة إلى الثاني منقولا إليه, إما شرعيا أو عرفيا أو عاما أو خاصا بحسب الناقلين كما سيأتي إيضاحه وتمثيله في حد المجاز. واعلم أن اشتراط المناسبة في المنقول مردود, فإن كثيرا من المنقولات لا مناسبة بينها وبين المنقول عنها, ألا ترى أن الجوهر لغة هو الشيء النفيس ثم نقله المتكلمون إلى تقسيم للعرض وهو القائم بنفسه، وإن كان في غاية الخسة؟ وأجاب الأصفهاني في شرح المحصول بأن القيام بنفسه نفاسة وهو ضعيف، وإن لم يشتهر في الثاني كالأسد فهو حقيقة بالنسبة إلى الأول وهو الحيوان المفترس, مجاز بالنسبة إلى الثاني وهو الرجل الشجاع، وعلم من هذا أن المجاز عند المصنف غير موضوع، وسيأتي ما يخالفه وهذا التقسيم مردود؛ لأن المجاز أيضا قد يكون أشهر من الحقيقة وهي المسألة المعروفة بالحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح وسيأتي, وأيضا فالوضع على حدته لا يكفي في إطلاق لفظ الحقيقة على المعنى الأول, بل لا بد من استعمال، وكذا في المجال أيضا. قوله:"والثلاث الأول" أي: متحد اللفظ والمعنى, ومتكثر اللفظ والمعنى, ومتكثر اللفظ متحد المعنى, فإنها نصوص لأن كلا منها يدل على معنى لا يحتمل غيره، وهذا هو معنى النص وسمي بذلك؛ لأن النص في اللغة على ما حكاه الجوهري وغيره هو بلوغ الشيء منتهاه وغايته، وهذه الألفاظ كذلك لأنها في الدرجة الغاية والمرتبة النهائية من وجوه الدلالة، واحترز بقوله: المتحدة المعنى عن القرء والعين والجون, فإنها متباينة مع أنها ليست بنصوص لأن كل لفظ منها مشترك بين معانٍ، وكذلك الألفاظ المترادفة قد تكون مشتركة أيضا كلفظ العين والذهب. قوله:"وأما الباقية" أي: الأقسام الداخلة في كون اللفظ واحدا، والمعنى كثيرا وهو المشترك، فالمنقول عنه والمنقول إليه, والحقيقة والمجاز, فإنها تنقسم إلى مجمل وظاهر ومؤول وذلك لأن اللفظ إن كانت دلالته على تلك المعاني بالسوية كالقرء والعين وغيرهما من الألفاظ المشتركة فهو المجمل مأخوذا من الجمل -بفتح الجيم وإسكان الميم- وهو الاختلاط كما حكاه القرافي فسمي بذلك لاختلاط المراد بغيره وسيأتي أن قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}[البقرة: ٦٧] ، {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام: ١٤١] وغير ذلك من المجملات, فلا يكون محصورا في المشترك، وإن كانت دلالته على بعض المعاني أرجح من بعض, سمي بالنسبة إلى الراجح ظاهرا وبالنسبة إلى المرجوح مؤولا؛ لكونه يؤول إلى الظهور عند اقتران الدليل به المنقول لعلاقة, ولم يشتهر كالأسد دلالته على الأول ظاهرة، وعلى الثاني مؤولة فإن اشتهر وهو المسمى بالمنقول كالصلاة فهو على العكس. قوله:"والمشترك" يعني أن النص والظاهر مشتركان في الرجحان إلا أن النص فيه رجحان بلا احتمال لغيره كأسماء الأعداد, والظاهر فيه رجحان مع احتمال كدلالة اللفظ على المعنى الحقيقي, فالقدر المشترك بينهما من الرجحان يسمى المحكم, فالمحكم