للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمتاعه" ١ فإن قلنا: إنه صاحب حقيقة باعتبار ما مضى رجع فيه؛ لاندراجه تحته, وإن قلنا: إنه مجاز فلا ويتعين الحمل على المستعير وههنا أمور لا بد من معرفتها أحدها: أن الفعل من المشتقات مع أن إطلاق الماضي منه اعتبار ما مضى حقيقة بلا نزاع، وقد دخل في كلام المصنف حيث قال: شرط كونه حقيقة أي: كون المشتق، وأما المضارع فينبني على الخلاف المشهور من كونه مشتركا أم لا، فإن جعلناه مشتركا أو حقيقة في الاستقبال فيستثنى أيضا. الثاني: أن التعبير بالدوام إنما يصح فيما يصح عليه البقاء وحينئذ فتخرج المشتقات من الأعراض السيالة كالمتكلم ونحوه، فالصواب أن يقول: شرط المشتق وجود أصله حال الإطلاق. الثالث: أن الإمام في المحصول والمنتخب قد رد على الخصوم في آخر المسألة بأن لا يصح أن يقال لليقظان: إنه نائم اعتبارا بالنوم السابق، وتابعه عليه صاحب الحاصل والتحصيل وغيرهما، وهو يقتضي أن ذلك محل اتفاق وصرح به الآمدي في الأحكام في آخر المسألة فقال: لا يجوز تسمية القائم قاعدا والقاعد قائما للقعود والقيام السابق بإجماع المسلمين وأهل اللسان، وإذا تقرر هذا فينبغي استثناؤه من كلام المصنف, وضابطه كما قال التبريزي في مختصر المحصول المسمى بالتنقيح أن يطرأ على المحل وصف وجودي يناقض المعنى الأول أو يضاده كالسواد ونحوه بخلاف القتل والزنا. والرابع: أن ما قاله المصنف وغيره محله إذا كان المشتق محكوما به كقولك: زيد مشرك أو زانٍ أو سارق فأما إذا كان متعلق الحكم كقولك: السارق تقطع يده, فإنه حقيقة مطلقا, كما قال القرافي إذ لو كان مجازا لكان قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥١] {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: ٢] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] وشبهها مجازات باعتبار من اتصف بهذه الصفات في زماننا؛ لأنه مستقبل باعتبار زمن الخطاب عند إنزال الآية, وعلى هذا التقدير يسقط الاستدلال بهذه النصوص إذ الأصل عدم التجوز ولا قائل بهذا. قوله: "لأنه" أي: الدليل على أنه ليس بحقيقة أنه يصدق نفي المشتق عند زوال المشتق منه فيقال مثلا: زيد ليس بضارب، وإذا صدق ذلك فلا يصدق إيجابه وهو زيد ضارب، وإلا لزم اجتماع النقيضين, فإن أطلق عليه كان مجازا لما سيأتي أن من علامة المجاز صحة النفي، أما الدليل على أنه يصدق نفيه عند زواله, فلأنه بعد انقضاء الضرب يصدق عليه أنه ليس بضارب في الحال، وإذا صدق هذا صدق ليس بضارب؛ لأنه جزؤه، ومتى صدق الكل صدق الجزء، واعترض الخصم فقال: قولنا: ضارب وقولنا: ليس بضارب قضيتان مطلقتان أي: لم يتحد وقت الحكم فيهما فلا تتناقضان؛ لجواز أن يكون وقت السلب غير وقت الإثبات كما تقرر في علم المنطق، والجواب: أنهما مؤقتتان بحال التكلم وأغنى عن هذا التقييد فهم أهل العرف له, إذ لو لم يكن كذلك لما جاز استعمال كل


١ أخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة "٢/ ٥١", وأخرجه الهندي في كنز العمال، حديث رقم "١٠٤٦٥".

<<  <   >  >>