يطلق حالة الخلو عن مفهومه, وأجيب بأنه مجاز وإلا لأطلق الكافر على أكابر الصحابة -رضي الله عنهم- حقيقة" أقول: اعترض الخصم فقال: هذا الدليل الذي ذكرتم وإن دل على أن المشتق لا يصدق حقيقة عند زوال المشتق منه, لكنه معارض بأدلة أربعة تدل على أن يصدق حقيقة، ولو قال المصنف بأوجه لكان أوجه من الوجوه؛ لأنها جمع كثرة، الأول: أن الضارب مثلا عبارة عن ذات ثبت لها الضرب أعم من أن يكون في الحال أو في الماضي بدليل صحة تقسيمه إليها, وهو في الحال حقيقة بالاتفاق فكذلك في الماضي، ورد هذا الدليل بأن من ثبت له الضرب كما أنه أعم من الماضي والحال فهو أعم من الاستقبال, فيلزم أن يكون حقيقة في المستقبل وهو مجاز بالاتفاق، وفي الجواب نظر لأن من ثبت له الضرب أو حصل له لا ينقسم إلى المستقبل. الثاني: أن النحاة أي: جمهورهم قالوا: إن النعت يعني المشتق كاسم الفاعل واسم المفعول إذا كان بمعنى الماضي أي: وليس معه أن لا ينصب بل يتعين جره إليه بالإضافة كقولك: مررت برجل ضارب زيد أمس، وهذا يدل على جواز استعماله بمعنى الماضي، والأصل في الاستعمال الحقيقة. والجواب أن هذا الدليل منتقض بإجماعهم على إعماله إذا كان بمعنى الاستقبال، فإن ما قلتموه في الماضي يأتي بعينه في المستقبل مع أنه مجاز اتفاقا، وأجاب في التحصيل عن جوابنا بأنه يوجب تكثير المجاز وهو خلاف الأصل. الثالث: لو شرط بقاء المشتق منه إلى حالة الإطلاق لم يكن المشتق من الألفاظ كالمتكلم والمخبر والمحدث حقيقة البتة؛ لأن الكلام ونحوه اسم لمجموع الحروف ويستحيل اجتماع تلك الحروف وفي وقت واحد؛ لأنها أعراض سيالة لا يوجد منها حروف إلا بعد انقضاء الآخر، والجواب: أنه لما تعذر اجتماع أجزاء الكلام وشبهه اكتفينا في الإطلاق الحقيقي بمقارنته لآخر جزء لصدق وجود المشتق منه مع مقارنته لشيء منه، فمن قال: قام زيد مثلا إنما يصدق عليه متكلم حقيقة عند مقارنة الدال فقط لا قبلها ولا بعدها. الرابع: أن لفظ المؤمن يطلق على الشخص حالة خلوه عن مفهوم الإيمان، والأصل في الإطلاق الحقيقة, بيانه: أن الواحد منا إذا نام يصدق عليه أنه مؤمن أو لا يصدق عليه الإيمان في تلك الحالة؛ لأنه إما عبارة عن التصديق كما هو مذهب الأشعري, أي: عن العمل كما هو مذهب المعتزلة، وكل منهما ليس بحاصل في حال نومه، وأجيب بأن هذا الإطلاق مجاز؛ لأنه لو كان إطلاق المؤمن على الشخص باعتبار الإيمان السابق حقيقة, لكان إطلاق الكافر على أكابر الصحابة حقيقة باعتبار الكفر السابق وهو باطل اتفاقيا فيبطل الأول، وأجاب صاحب التحصيل وغيره عن جوابنا بأن الحقيقة قد تهجر لعارض شرعي, فلا يلزم من امتناع إطلاق اسم الذم لكونه مخلا بتعظيمهم امتناع عكسه وهو المؤمن، وفي الجواب نظر؛ لأن القاعدة أن امتناع الشيء متى دار إسناده بين عدم المقتضى ووجود المانع كان إسناده إلى عدم المقتضى أولى؛ لأنا لو أسندناه إلى وجود المانع لكان المقتضى قد وجد وتخلف أثره والأصل عدمه، وعلى هذه القاعدة لا يصح جوابهم؛ لأن المصنف يدعي أن امتناع إطلاق الكافر لعدم المقتضى وهو وجود المشتق منه حالة الإطلاق، والمجيب يدعي أن امتناعه لوجود المانع فكان الأول أولى، وهذه القاعدة تنفع في كثير من المباحث.