للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للإمام, وتقريره: أنا لا نسلم أن المعاني غير متناهية؛ لأن حصول ما لا نهاية له في الوجود محال، وأما الأعداد فالداخل منها في الوجود متناهٍ, وأيضا فأصولها متناهية، وهي الآحاد والعشرات والمئات والألوف، والوضع للمفردات لا للمركبات، ولا نسلم أيضا أن الألفاظ متناهية. قولهم: لأن المركب من المتناهي متناهٍ, ممنوع لإمكان تركيب كل حرف مع آخر إلى ما لا نهاية له, وأيضا فأسماء الأعداد غير متناهية على ما قالوه مع أنها مركبة من الحروف المتناهية، وقد صرح في المحصول هنا بأن هاتين المقدمتين باطلتان، وناقض كلامه فجزم بكون المعاني غير متناهية في النظر. الرابع: من باب اللغات والجواب الثاني وهو بعد تسليم المقدمتين: أن المقصود بالوضع متناهٍ، وتقريره من وجهين, أحدهما وهو المذكور في المحصول ومختصراته: أن المعاني التي يقصدها الواضع بالتسمية متناهية؛ لأن الوضع للمعاني فرع عن تصورها، وتصور ما لا يتناهى محال، فإن قيل: لا استحالة فيه إذا قلنا: الواضع هو الله تعالى وهو الراجح قلنا: الوضع لفائدة مخاطبة الناس بها، وهو موقوف على تصورهم أيضا، والثاني وهو المذكور في المنتخب: أن المعاني على قسمين, منها ما تشتد الحاجة إلى الوضع له، ومنها ما ليس كذلك كأنواع الروائح, فإنه لم يوضع لكل رائحة منها اسم يخصه، فإذا تقرر خلو بعض المعاني عن الأسماء وأن الوضع إنما يكون لما تشتد الحاجة إليه, فلا نسلم أن هذا المحتاج إليه غير متناهٍ، وأجاب ابن الحاجب بجواب آخر, وهو أن الاشتراك إنما يكون بين معانٍ متضادة أو مختلفة، وأما المتماثلة فلا اشتراك فيها, فإقامة الدليل على أن المعاني من حيث هي غير متناهية, لا يلزم منه إثباته في المختلفة والمتضادة، وهو المقصود، وأيضا فلو كانت الألفاظ مستوعبة للمعاني لكان بعض الألفاظ موضوعا لمعانٍ لا نهاية لها وهو باطل. الدليل الثاني: أن الوجود يطلق على الواجب سبحانه وتعالى, وعلى الممكن كالمخلوقات ووجود كل شيء ليس زائدا على ماهيته, بل هو عين ماهيته على مذهب الأشعري, فالوجود الذي يطلق على الذات المقدسة هو عين الذات، والذي يطلق على المخلوق هو عين المخلوق، والذاتان مختلفتان بالماهية فيكون الوجود أيضا مختلفا بالماهية، وقد أطلق عليه لفظ واحد إطلاقا حقيقيا بدليل عدم صحة النفي فيكون مشتركا، وأجاب المصنف بوجهين أحدهما: لا نسلم أن الوجود هو عين الماهية بل هو زائد عليها كما ذهب إليه المعتزلة, وذلك الزائد معنى واحد يشترك فيه الواجب والممكن، فيكون متواطئا لا مشتركا، وذهبت الفلاسفة إلى أن وجود الواجب عين ذاته، ووجود الممكن زائد عليه. والثاني: سلمنا أنه مشترك لكن وقوع الاشتراك لا يدل على وجوبه وهو المدعى. واعلم أن الإمام وأتباعه قد قرروا هذا الدليل على وفق الدعوى وهو الوجوب فقالوا: إن الألفاظ العامة كالوجود والشيء, واجبة الوقوع في اللغات لاشتداد الحاجة إليها, ثم ذكروا الدليل إلى آخره فغيره المصنف, ثم أورد عليه: وجوابه على تقرير الإمام أنه لا يلزم

<<  <   >  >>