للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من وجوب الوضع أن يكون لفظا وحدا. قوله: "وأحال آخرون" هذا هو المذهب الثاني, وهو استحالة الاشتراك، واحتج الذاهبون إليه بأن المشترك لا يفهم منه غرض المتكلم الذي هو المقصود بالوضع, فيكون وضعه سببا للمفسدة, والواضع حكيم فيستحيل أنه يضعه، والجواب: أن ما قالوه منتقض بأسماء الأجناس كالحيوان والإنسان, ألا ترى أنه لو قال: اشتر لي عبدا لم يفهم منه مراده؟ وكذلك الأسود وغيره من المشتقات فإنه لا يدل على خصوص تلك لذات كما تقدم في تقسيم الألفاظ، وفي الجواب نظر؛ فإن اسم الجنس موضوع للقدر المشترك، وهو معلوم من اللفظ بخلاف المشترك، فإن المقصود منه فرد معين وهو غير معلوم, فالأولى أن يجيب بأنه لا ينفي وقوع الاشتراك من قبيلتين, وبأن ما قالوه من المحذور ينتفي عند الحمل على المجموع. قوله: "والمختار إمكانه" هذا هو المذهب الثالث، وهو إمكانه الاشتراك؛ وذلك لأنه يمكن أن يكون من واضعين لم يعلم كل منهما بوضع الآخر, وهذا هو السبب الأكثري كما قال في المحصول١, وعلى هذا فلا يقدح فيه ما قالوه من المفاسد؛ لأن اجتنابها متوقف على العلم بوقوع الاشتراك، والغرض أن لا علم وأن يكون من واضع واحد لغرض الإبهام على السامع حيث يكون التصريح سببا للمفسدة كما روي عن أبي بكر -رضي الله عنه- أنه قال لكافر سأله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقت ذهابهما إلى الغار: من هذا؟ فقال: "رجل يهديني السبيل". قوله: "ووقوعه" هو معطوف على خبر المختار وهو الإمكان أي: والمختار إمكانه ووقوعه. وهذا هو المذهب الرابع، وبانضمام هذا إلى ما قبله استفدنا الثالث وهو أنه ممكن غير واقع, وبه صرح في المحصول فقال: وبعضهم سلم إمكانه وخالف في وقوعه وقال: وما يظن أنه مشترك فهو إما متواطئ أو حقيقة ومجاز. ثم استدل المصنف على الوقوع بأنا نتردد في المراد من القرء والعين والجواب ونحوها, فإنا إذا سمعنا القرء مثلا ترددنا بين الطهر والحيض على السواء, فلو كان حقيقة في أحدهما فقط أو في القدر المشترك لما كان كذلك وقد وقع في القرآن العظيم كقوله تعالى: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} أي: أقبل وأدبر, وإنما أورد المصنف هذين المثالين؛ لأن أحدهما من الأسماء والآخر من الأفعال، وأيضا فأحدهما مجموع والآخر مفرد فتبين بذلك وقوع النوعين في القرآن ومنهم من منع وقوعه في القرآن والحديث, كما قال في المحصول؛ لأنه إن وقع مبينا طال من غير فائدة، وإن كان غير مبين فلا يفيد، وجوابه: أن فائدته الاستعداد للامتثال بين البيان, وأيضا فإنه كأسماء الأجناس.


١ انظر المحصول، ص٩٧، جـ١.

<<  <   >  >>