للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي: لو لم تكن هذه الألفاظ مجازات عرفية ابتدأ الشارع وضعها لهذه المعاني, لكانت غير عربية؛ لأن العرب لم تضعها لها لا حقيقة ولا مجازا، وإذا لم تكن عربية فلا يكون القرآن عربيا, لكن القرآن عربي لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [طه: ١١٣] وقوله تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر: ٣٨] وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: ٤] وهذا الدليل لا يثبت فيه المدعى؛ لأنه لا يبطل المذهبين الآخرين بل مذهب المعتزلة فقط. قوله: "قيل: المراد بعضه ... إلخ" أي: اعترضت المعتزلة على هذا الدليل بأربعة أوجه, أحدها: أن هذه الآية لا تدل على أن القرآن كله عربي بل على أن بعضه عربي؛ لأن القرآن يطلق على مجموعه وعلى كل جزء منه؛ ولهذا لو حلف: لا يقرأ القرآن حدث بقراءة بعضه، وجوابه: أن استدلالكم بالحلف وإن دل على أن المراد بالقرآن البعض فهو معارض لقولنا للسورة والآية: إنه بعض القرآن فإنه لو أطلق عليه بعض القرآن حقيقة لما كان لإدخال البعض معنى، وأيضا فلأن بعض الشيء غير الشيء، وإذا تعارضا تساقطا، وسلم ما قلناه أولا. واعلم أن ما ذكره من الحنث ممنوع, فقد نص الشافعي على ما حكاه الرافعي في أبواب العتق أنه لو قال لعبده: إن قرأت القرآن فأنت حر, لا يعتق إلا بقراءة الجميع. الثاني: أن هذه الألفاظ وإن كانت غير عربية, لكنها قلائل فلا يخرج القرآن عن كونه عربيا كقصيدة فارسية فيها ألفاظ عربية, فإنها لا تخرج بذلك عن كونها فارسية، والجواب: أنا لا نسلم بل يخرج عن كونه عربيا قطعا بدليل صحة الاستثناء فنقول: القرآن عربي إلا كذا وكذا، ومثله القصيدة أيضا. الثالث: أنه يكفي في كون هذه الألفاظ عربية استعمال العرب لها من حيث الجملة، وحينئذ فاستعمال الشارع لها في غير المعنى اللغوي لا يخرجه عن ذلك، وجوابه: أن تخصيص الألفاظ بكونها عربية أو فارسية ليس حكما حاصلا بذات الألفاظ من حيث هي هي, بل بحسب دلالتها على تلك المعاني في تلك اللغة، فلا يصير اللفظ عربيا إلا إذا دل على المعنى الذي وضعه العرب له، وفيما قال نظر، بل الحق أن العربي لا يخرج عن عربيته باستعماله في معنى آخر، ويدل على هذا أن الأعجمي كإبراهيم لا يخرج عن العجمة باستعمال العرب له في معنى آخر كما صرح به النحاة، ولهذا منعوا صرفه، وهذا إذا قلنا: إن اللغات اصطلاحية، فإن قلنا: توقيفية, ففي الحكم بتخصيص البعض بالعربي بحث يتقوى به جواب المصنف. الرابع: أنه منقوض بألفاظ واقعة في القرآن ليست عربية بل معربة, فإن المشكاة حبشية كما قال في المحصول، وهندية كما قال الآمدي وابن الحاجب، وهي الكوة والقسطاس رومية, وهي الميزان والإستبرق فارسية, وهي الديباج الغليظ وسجيل أيضا فارسية, وهي الحجر من الطين، وأجاب المصنف بأنا لا نسلم أن هذه الألفاظ ليست عربية، بل غايته أن وضع العرب لها وافق وضع غيرهم كالصابون والتنور, فإن اللغات متفقة فيهما. قال في المحصول: ولئن سلمنا خروج

<<  <   >  >>