للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه الألفاظ عن مقتضى الدليل, فيبقى ما عداها على الأصل، وهذا الذي صححه المصنف والإمام من كون المعرب لم يقع في القرآن, نقله ابن الحاجب عن الأكثرين, ونص عليه الشافعي في أوائل الرسالة فقال ما نصه: وقد تكلم في القرآن من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه, لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة إن شاء الله تعالى, فقال منهم قائل: إن في القرآن عربيا وأعجميا, هذا لفظه بحروفه، ومن الرسالة نقلته، ثم إنه أطال الاستدلال في الرد على قائله، ثم قال: والله تعالى يغفر له ولهم ولم يصحح الآمدي شيئا, وصحح ابن الحاجب وقوعه مستدلا بإجماع النحاة على أن إبراهيم ونحوه لا ينصرف للعلمية والعجمية. واعلم أن المصنف لم يرتب هذه الاعتراضات على الوجه اللائق فإن اللائق الابتداء بالثالث، ثم بالثاني، ثم بالأول، فيقول أولا: لا نسلم أنها غير عربية بل يكفي فيها استعمالها عندهم, سلمنا لكن لا يخرج القرآن عن كونه عربيا؛ لأنها قلائل سلمنا خروجه، فليس بممتنع لأن المراد من قوله تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [طه: ١١٣] هو البعض.

قال: "وعورض بأن الشارع اخترع معاني, فلا بد لها من ألفاظ, قلنا: كفى التجوز بأن الإيمان في اللغة هو التصديق، وفي الشرع فعل الواجبات لأنه الإسلام، وإلا لم يقبل من مبتغيه لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا} [آل عمران: ٨٥] فلن يقبل منه, ولم يجز استثناء المسلم من المؤمن وقد قال الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: ٣٥، ٣٦] والإسلام هو الدين لقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} والدين فعل الواجبات لقوله تعالى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} قلنا: الإيمان في الشرع تصديق خاص, وهو غير الإسلام والدين فإنهما الانقياد والعمل الظاهر؛ ولهذا قال تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} وإنما جاز الاستثناء لصدق المؤمن على المسلم بسبب أن التصديق شرط صحة الإسلام". أقول: إن المعتزلة طعنوا أولا في مقدمات دليلنا فأجبناهم, فانتقلوا إلى النقض بالمشكاة وشبهها، فأجبناهم فانتقلوا إلى المعارضة فقالوا: ما ذكرتم وإن دل على أن الشارع ما ابتدأ وضع هذه الألفاظ لهذه المعاني لكنه معارض بوجهين, أحدهما: إجمالي والآخر: تفصيلي, الأول وهو الإجمالي: أن الشارع اخترع معاني لم تكن معقولة للعرب فلا بد لها من ألفاظ تدل عليها، ويستحيل أن يكون الواضع لها هم العرب لأنهم لا يعقلونها فيكون الواضع لها وهو الله تعالى, فيكون شرعية وجوبه أنا لا نسلم أنه يجب إحداث وضع لها, بل يكفي التجوز بما وضعته العرب لحصول المقصود وهو الإفهام، وقد تقدم إيضاحه عند حكاية المذاهب. الدليل الثاني وهو التفصيلي: أن الإيمان يستعمل في غير معناه اللغوي فيكون شرعيا, بيانه أن الإيمان في اللغة هو التصديق, قال الله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف: ١٧] وفي الشرع فعل الواجبات؛ وذلك لأن الإيمان هو الإسلام، والإسلام هو الدين، والدين فعل الواجبات، ينتج أن الإيمان

<<  <   >  >>