فعل الواجبات، وإنما قلنا: إن الإيمان هو الإسلام لوجهين, أحدهما: أنه لو كان غيره لما كان مقبولا ممن ابتغاه لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}[آل عمران: ٨٥] الآية. الثاني: لو كان مغايرا له لامتنع استثناؤه منه؛ لأن الاستثناء إخراج بعض الأول ولكنه لا يمتنع لقوله تعالى:{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[الذاريات: ٣٦، ٣٦] ووجه الاستدلال أن غير هنا بمعنى إلا, إذ لو كانت على ظاهرها لكان التقدير فما وجدنا فيها المغاير لبيت المؤمنين, فيكون المنفي هو بيوت الكفار وهو باطل, فتقرر أنه استثناء، ثم إن هذا الاستثناء مفرغ فلا بد له من تقدير شيء عام منفي يكون هو المستثنى منه، وذلك العام لا بد من تقييده بكونه من المؤمنين، وإلا لزم انتفاء بيوت الكفار وهو باطل لما قلناه، فيكون التقدير: فما وجدنا فيها أحدا من المؤمنين إلا أهل بيت من المسلمين أي: منهم وأوقع الظاهر موقع المضمر، وذلك استثناء المسلمين من المؤمنين, فثبت أن الإيمان هو الإسلام، وإنما قلنا: إن الإسلام هو الدين لقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} وإنما قلنا: الدين فعل الواجبات لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البينة: ٥] أي: دين الملة المستقيمة, فقوله: وذلك إشارة إلى كل ما تقدم من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة بتأويل المذكور فيكون دينا, ولك أن تقول في تقرير المصنف لهذا الدليل: إشكال لأن من جملة مقدماته، أن الإسلام هو الدين, وأن الدين هو فعل الواجبات وقد استدل عليهما بما ينتج العكس، والموجبة الكلية لا تنعكس كنفسها وقد قرره غيره على الصواب, فقالوا: إن فعل الواجبات هو الدين والدين هو الإسلام والإسلام هو الإيمان، واستدلوا عليه بما ذكره المصنف فينتج أن فعل الواجب هو الإيمان، وهو المطلوب, وهكذا قرره الإمام وأتباعه كصاحب الحاصل والآمدي ومن تبعه كابن الحاجب. قوله:"لنا: الإيمان في الشرع ... إلخ" شرع رحمه الله في الجواب عن هذا الدليل فقال: الإيمان في الشرع أيضا هو التصديق كما هو في اللغة، لكنه تصديق خاص وهو تصديق محمد -صلى الله عليه وسلم- في كل أمر ديني علم بالضرورة مجيئه به فيكون مجازا لغويا من باب تخصيص العام ببعض مفهوماته كالدابة, والإيمان بهذا التفسير غير الإسلام وغير الدين، فإن الإسلام والدين في اللغة هما الانقياد، وفي الشرع هما الأعمال الظاهرة كالصلاة والصوم؛ ولهذا قال تعالى:{قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} فأثبت لهم الإسلام ونفى عنهم الإيمان فدل على المغايرة، وبهذا يظهر الجواب عن تمسكهم بقوله تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا} فإن مدلول الآية إن ابتغى دينا يغاير الإسلام فهو غير مقبول, فإذا لم يكن الإيمان دينا كما بينا لم يلزم عدم قبوله، ولقائل أن يقول: يجوز أن يكون المراد في الآية هو المفهوم اللغوي, والمعنى أن الأعراب ما صدقوا محمدا، ولكن انقادوا له ضرورة وحينئذ فلا يلزم تغاير المفهوم اللغوي أن يكون المفهوم الشرعي متغايرا،