والكلية كالقرآن لبعضه والجزئية كالأسود الزنجي والأول أقوى للاستلزام والاستعداد كالمسكر على الخمر في الدن, وتسمية الشيء باعتبار ما كان عليه كالبعد والمجاورة كالرواية والزيادة والنقصان مثل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} و {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} والتعلق كالخلق المخلوق". أقول: يشترط في استعمال المجاز وجود العلاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي وإلا لجاز إطلاق كل لفظ على كل معنى وهو باطل, وهل يكفي وجود العلاقة أم لا بد من اعتبار العرب لها, أي تستعملها؟ فيه مذهبان حكاهما الآمدي من غير ترجيح، ويعبر عنهما بأن المجاز هل هو موضوع أم لا؟ أصحهما عند ابن الحاجب أنه لا يشترط؛ لأن أهل العربية لا يتوقفون عليه وأصحها عند الإمام وأتباعه أنه يشترط لأن الأسد له صفات وهي: الشجاعة والحمى والبخر والجذام، ومع ذلك لا يجوز إطلاقه لغير الشجاع، ولو كانت المشابهة كافية من غير نقل لما امتنع، وللخصم أن يقول: المشابهة كافية في صفة ظاهرة وهذه لا يتبادر الذهن إليها. قال القرافي: والخلاف إنما هو في الأنواع لا في الجزئيات، النوع الوحد كالقائل بالاشتراك يقول: لا بد أن تضع العرب نوع التجوز بالكل إلى الجزء مثلا, وبالسبب إلى المسبب، وإلى هذا أشار المصنف بقوله: المعتبر نوعها. قال في المحصول: والذي يحضرنا من أنواعها اثنا عشر قسما، وقد ذكر المصنف كما ذكرها إلا أنه أسقط العاشر للاستغناء عنه بالثالث، وقال الشيخ صفي الدين الهندي: الذي يحضرنا من أنواعها أحد وثلاثون نوعا وعددها، فلنقتصر على ما ذكره المصنف, فإن الزائد عليه إما مداخل أو مذكور في غير هذا الموضوع, أحدها: علاقة السببية وإطلاق اسم السبب على المسبب أي: العلة على المعلول، ثم إن السبب على أربعة أقسام: قابلي ويعبر عنه بالمادي، وصوري، وفاعلي، وغائي، وكل موجود لا بد له من هذه الأربعة كالسرير, فإن مادته الخشب وفاعله النجار وصورته الانسطاح وغايته الاضطجاع عليه, وإنما سميت الثلاثة الأولى أسبابا لتأثيرها في الاضطجاع وسمي الرابع وهو الغائي سببا لأنه الباعث على ذلك، فإنه إذا استحضر في ذهنه الاضطجاع حمله ذلك على العمل وهو معنى قولهم: أول الفكر آخر العمل, ومعنى العلة الغائية علة العلل الثلاث في الأذهان, ومعلولة العلل الثلاث في الأعيان، أي: في الخارج مثل تسمية الشيء باسم سببه القابلي، وقولهم: سال الوادي أي: الماء الذي في الوادي فعبر عن الماء السائل بالوادي؛ لأن الوادي سبب قابل له، فأطلق السبب على المسبب وفيه نظر، فإن المادي في اصطلاحهم جنس ماهية الشيء كما تقدم في الخشب مع السرير، وههنا ليس كذلك، ويظهر أن هذا من باب تسمية الحال باسم المحل، أو من مجاز النقصان الآتي وتقديره: ماء الوادي، ومثال تسمية الشيء باسم سببه الصوري إطلاق اليد على القدرة في قوله تعالى:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[الفتح: ١٠] أي: قدرة الله تعالى فوق قدرتهم, فاليد لها صورة خاصة يتأتى بها الاقتدار على الشيء وهو تجويف راحتها، وصغر عظمها، وانفصال بعضها عن بعض