المجاز والإضمار كان المراد باللفظ ما وضع له, وإذا انتفى احتمال التخصيص كان المراد باللفظ جميع ما وضع له فلا يبقى عند ذلك خلل في الفهم, هكذا قاله الإمام. ولا شك أن هذه الاحتمالات إنما تحل باليقين لا بالظن, وقد نص هو على أن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين إلا بعد شروط عشرة وهي هذه الخمسة, انتفاء النسخ والتقديم والتأخير وتغيير الإعراب والتصرف والمعارض العقلي, فبطل كون الخلل منحصرا في الخمسة التي ذكرها وليس المراد بالمجاز هنا مطلق المجاز وهو المقابل للحقيقة بل المراد به مجاز خاص وهو المجاز الذي ليس بإضمار ولا تخصيص ولا نقل؛ لأن كل واحد من هذه الثلاثة مجاز أيضا؛ ولهذا اقتصر بعض المحققين على ذكر التعارض بين الاشتراك والمجاز. وإنما أفرد هذه الثلاثة لكثرة وقوعها أو لقوتها حتى اختلف في بعضها أو هو التخصيص هل هو سالب الإطلاق الحقيقي أم لا؟ سيأتي. واعلم أن التعارض بين الاحتمالات الخمسة المذكورة في الكتاب يقع على عشرة أوجه, وضابطه أن يؤخذ كل واحد مع ما بعده فالاشتراك يعارض الأربعة الباقية, والنقل يعارض الثلاثة الباقية, وأما معارضته للاشتراك والنقل تقدمت, فهذه سبعة أوجه, المجاز يعارض الإضمار والتخصيص ومعارضته للاشتراك والنقل تقدمت فهذه تسعة, والإضمار يعارض التخصيص ومعارضته للثلاثة المتقدمة تقدمت فهذه عشرة أوجه، ولم يتعرض الإمام وأتباعه لمثلها وقد تعرض المصنف لذلك. وإذا أردت معرفة الأولى من هذه الخمسة عند التعارض من غير تكلف البتة فاعلم أي كل واحد منها مرجوح بالنسبة إلى كل ما بعده, راجح على ما قبله إلا الإضمار والمجاز فهما سيان، فإذا استحضرت هذه الخمسة كما رتبها المصنف أتيت بالجواب سريعا، وهي دقيقة غفلوا عنها؛ الأول: النقل أولى من الاشتراك؛ لأن المنقول مدلوله مفرد في الحالين، أي: قبل النقل وبعده, أما قبل النقل فإن مدلوله المنقول عنه وهو المعنى اللغوي, وأما بعده فالمنقول إليه وهو الشرعي أو العرفي. وإذا كان مدلوله مفردا فلا يمتنع العمل به بخلاف المشترك, فإن مدلوله متعدد في الوقت الواحد فيكون مجملا لا يعمل به إلا بقرينة عند من لا يحمله على المجموع, مثاله لفظ الزكاة يحتمل أن يكون مشتركا بين النماء وبين القدر المخرج من النصاب, وأن يكون موضوعا للنماء فقط، ثم نقل إلى القدر المخرج شرعا فالنقل أولى لما قلناه. الثاني: المجاز أولى من الاشتراك لوجهين أحدهما: أن المجاز أكثر من الاشتراك بالاستقراء، حتى بالغ ابن جني وقال: أكثر اللغات مجاز, والكثرة تفيد الظن في محل الشك. الثاني: أن فيه إعمالا للفظ دائما؛ لأنه إن كان معه قرينة تدل على إرادة المجاز أعملناه فيه, وإلا أعملناه في الحقيقة بخلاف المشترك, فإنه لا بد في إعماله من القرينة مثاله النكاح يحتمل أن يكون مشتركا بين العقد والوطء، وأن يكون حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر, فيكون المجاز أولى لما قلناه. الثالث: الإضمار أولى من الاشتراك؛ لأنه لا يحتاج إلى القرينة إلا في