صورة واحدة وهي حيث لا يمكن إجراء اللفظ على ظاهره, فحينئذ لا بد من قرينة تعين المراد. وأما إذا أجري على ظاهره فلا يحتاج إلى قرينة بخلاف المشترك فإنه مفتقر إلى القرينة في جميع صوره, مثاله قوله تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}[يوسف: ٨٢] فيحتمل أن يكون لفظ القرية مشتركا بين الأهل والأبنية، وأن يكون حقيقة في الأبنية فقط ولكن أضمر الأهل والإضمار أولى لما قلناه. الرابع: التخصيص أولى من الاشتراك؛ لأن التخصيص خير من المجاز كما سيأتي, والمجاز خير من الاشتراك كما تقدم, والخبر من الخبر خير, مثاله استدلال الحنفي عن أنه لا يحل له نكاح امرأة زنى بها أبوه بقوله تعالى:{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ}{النساء: ٢٣] بناء على أن المراد بالنكاح هنا هو الوطء, فيقول الشافعي: يلزمك الاشتراك لأنه قد تقرر أن النكاح حقيقة في العقد كما في قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}[النور: ٣٢] فينبغي حمله هنا عليه فرارا من ذلك, فيقول الشافعي: وأنت أيضا يلزمك التخصيص؛ لأن العقد الفاسد لا يقتضي التحريم فيقول الشافعي: التخصيص أولى؛ لما قلناه. الخامس: المجاز أولى من النقل يستلزم نسخ المعنى الأول بخلاف المجاز, مثاله الصلاة, فإن المعتزلة يدعون نقلها من الدعاء إلى الأفعال الخاصة, والإمام وأتباعه يقولون: إن استعمالها فيها بطريق المجاز فيكون المجاز أولى لما قلناه. السادس: الإضمار أولى من النقل؛ لأن الإضمار والمجاز متساويان كما سيأتي والمجاز خير من النقل لما عرفت, والمساوي للخير خير, مثاله قوله تعالى:{وَحَرَّمَ الرِّبا}[البقرة: ٢٧٥] فالآية لا بد فيها من تأويل لأن الربا هو الزيادة ونفس الزيادة لا توصف بحل ولا حرمة, فقالت الحنفية: التقرير أخذ الزيادة، فإذا توافقا على إسقاطها صح العقد. وقال الشافعي: الربا نقل إلى العقد المستعمل على الزيادة لقرينة قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}[البقرة: ٢٧٥] فيكون المنهي عنه هو نفس العقد فيفسد سواء اتفاقا على حط الزيادة أم لا. السابع: التخصيص أولى من النقل؛ لأن التخصيص خير من المجاز كما سيأتي والمجاز خير من النقل لما تقدم والخير من الخير خير, مثاله قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} فإن الشافعي يقول: المراد بالبيع هو البيع اللغوي وهو مبادلة الشيء بالشيء مطلقا, ولكن الآية خصت بأشياء ورد النهي عنها, فعلى هذا يجوز بيع ابن الآدميات مثلا ما لم يثبت تخصيص, ويقول الحنفي: نقل الشارع لفظ البيع من مدلوله اللغوي إلى المستجمع لشرائط الصحة, فليس باقيا على عمومه حتى يستدل به على كل مبادلة فيقول له الشافعي: التخصيص أولى وهذه الآية للشافعي فيها خمسة أقوال, وهذان الاحتمالان قولان من جملتها. الثامن: الإضمار مثل المجاز أي: فيكون اللفظ مجملا حتى لا يترجح أحدهما إلا بدليل لاستوائهما في الاحتياج إلى القرينة وفي احتمال خفائها؛ وذلك لأن كلا منها يحتاج إلى قرينة تمنع المخاطب عن فهم الظاهر. وكما يحتمل وقوع الخفاء في تعيين المضمر يحتمل وقوعه في تعيين المجاز، فاستويا هذا ما جزم