اليهودي لا يبصر، وأن ظاهر التخصيص يستدعي فائدة وتخصيص الحكم فائدة, وغيرها منتفٍ بالأصل فتعين, وأن الترتيب يشعر بالعلية كما ستعرفه. والأصل ينفي علة أخرى فينتفي بانتفائها. قيل: لو دل لدل إما مطابقة أو التزاما, قلنا: دل التزاما لما ثبت أن الترتيب يدل على العلية، وانتفاء العلة يستلزم انتفاء مدلولها المساوي! قيل:{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ}[الإسراء: ٣١] ليس كذلك قلنا: غير المدعي". أقول: شرع المصنف في ذكر مفاهيم المخالفة فبدأ بمفهوم اللقب, فنقول: تعليق الحكم أي: طلبا كان أو خبرا, بالاسم أي: وما في معناه كاللقب والكنية, لا يدل على نفيه عن غيره كقول القائل: زيد قائم فإنه لا يدل على نفي القيام عن زيد وهذا هو الصحيح عند الإمام والآمدي وأتباعهما, ونقله إمام الحرمين في البرهان عن نص الشافعي، واحتج المصنف بأنه لو دل على نفيه عن غيره لانسد باب القياس, وبيانه أن تحريم الربا مثلا في القمح يدل على هذا التقدير على إباحته في كل ما عداه, مطعوما كان أو غيره, فلا يقاس الحمص عليه لأن القياس على خلاف الدليل باطل وهذا الدليل ضعيف لأمرين, أحدهما: أن المفهوم على تقدير كونه حجة يدل على الإباحة في كل ما عدا البر، والقياس إنما يدل على تحريم في الأفراد التي شاركت المنصوص عليه في العلة وهي المطعومات دون غيرها كالنحاس والرصاص, فغاية ما يلزم من الأخذ بالقياس أن يكون مخصصا للمفهوم، وتخصيص عموم المنطوق بالقياس جائز، كما سيأتي, فتخصيص عموم المفهوم به أولى. الثاني ما ذكره الآمدي: وهو أنه إنما يؤدي إلى إبطال القياس إن لو كان النص دالا عليه بمنطوقه وليس كذلك, بل إنما دل عليه بمفهومه والقياس راجح على هذا النوع من المفهوم، وغاية ذلك أنهما دليلان تعارضا لأن كلا منهما دل على عكس ما دل عليه الآخر كالحمص في مثالنا إباحة المفهوم وحرمة القياس وحكم المتعارضين تقديم الراجح منهما، وذهب أبو بكر الدقاق من الشافعية إلى أنه حجة وكذلك الحنابلة كما قاله في الأحكام، واحتجوا بأن التخصيص لا بد له من فائدة، وجوابه أن غرض الإخبار عنه دون غيره فائدة، ومر بي في بعض التعاليق أن الدقاق وقع له ذلك في مجلس النظر ببغداد فألزم الكفر, إذا قال: محمد رسول الله لنفي رسالة عيسى وغيره فوقف. وحكى ابن برهان في التعجيز قولا ثالثا أنه حجة في أسماء الأنواع كالغنم دون أسماء الأشخاص كزيد. قوله: "وبإحدى صفتي الذات" أي: وتعليق الحكم بصفة من صفات الذات يدل على نفي الحكم عن الذات عند انتفاء تلك الصفة كقوله -صلى الله عليه وسلم: "في سائمة الغنم الزكاة" ١ فإن الغنم اسم ذات ولها صفتان: السوم والعلف، وقد علق الوجوب على إحدى صفتيها وهو السوم, فيدل ذلك على عدم الوجوب في المعلوفة لكن الصحيح في المحصول وغيره أنه يفي جميع الأجناس نظرا إلى أن العلف مانع،