إنما هو اصطلاح للنحاة كاصطلاحهم على النصب والرفع وغيرهما، وليس ذلك مدلولا لغويا فلا يلزم من انتفائه انتفاء الحكم وجوابه إنما نستدل باستعمالها الآن للشرط على أنها في اللغة كذلك؛ إذ لو لم تكن لكانت منقولة عن مدلولها، والأصل عدم النقل, وهذا الجواب ينفع في كثير من المباحث. الثاني: أنه شرط لغة لا نسلم أنه يلزم من انتفائه انتفاء المشروط فإنه يكون له بدل يقوم مقامه وإنما يلزم ذلك أن لو لم يكن له بدل, والجواب أنه إذا وجد ما يقوم مقامه لم يكن ذلك الشيء بعينه شرطا، بل الشرط أحدهما، وحينئذ فيتوقف انتفاؤه على انتفائهما معا؛ لأن مسمى أحدهما لا يزول على أنه شرط بعينه. الثالث: ولو كان المتعلق بأن ينتفي عند انتفاء ما دخلت عليه إن لكان قوله تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا}[النور: ٣٣] دليلا على أن الإكراه لا يحرم إذا لم يردن التحصن وليس كذلك بل هو حرام مطلقا قلنا: لا نسلم أنه ليس كذلك أي لا نسلم أن الحرمة غير منتفية عنه بل هو غير حرام, ولكنه غير جائز, فإن عدم حرمته لا يستلزم جوازه؛ لأن زوالها قد يكون لطرآن الحل وقد يكون لامتناع وجوده عقلا لأن السالبة تصدق بانتفاء المحمول تارة والموضوع أخرى، وههنا قد انتفى الموضوع لأنهن إذا لم يردن التحصن فقد أردن البغاء, وإذا أردن البغاء امتنع إكراههن عليه؛ لأن الإكراه هو إلزام الشخص شيئا على خلاف مراده, وإذا كان ممتنعا فلا تتعلق به الحرمة؛ لأن المستحيل لا يجوز للتكليف به. المسألة السادسة: الحكم المتعلق بعدد لا يدل بمجرده على حكم الزائد والناقص عنه لا نفيا ولا إثباتا، ومنهم من قال: يدل ونقله الغزالي في المنحول عن الشافعي فقال في كتاب المفهوم ما نصه: وأما الشافعي فلم ير للتخصيص باللقب مفهوما ولكنه قال بمفهوم التخصيص بالصفة والزمان والمكان والعدد, وأمثلته لا تخفى, هذا لفظه ونص عليه في البرهان أيضا فقال: إن الشافعي والجمهور يقولون بهذه الأشياء وضم إلى ذلك أيضا مفهوم الحد يعني الغاية. قال في المحصول: وقد يدل عليه لدليل منفصل كما إذا كان العدد علة لعدم أمر فإنه يدل على امتناع ذلك الأمر في الزائد أيضا لوجود العلة, وعلى ثبوته في الناقص لانتفائها كقوله -صلى الله عليه وسلم:"إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا" ١ وكذلك إن لم يكن علة، ولكن أحد العددين إما الزائد أو الناقص داخل في العدد المذكور على كل حال, كما إذا كان الحكم حظرا أو كراهة, فإنه يدل على ثبوته في الزائد, فإن تحريم جلد المائة مثلا أو كراهته يدل على ذلك في المائتين, ولا يدل على شيء في الناقص عن المائة فإن كان الحكم وجوبا أو ندبا أو إباحة فإنه يدل على ثبوت ذلك الحكم في الناقص ولا يدل في الزائد لا على نفيه ولا على إثباته. وهذه المسألة لم يذكر ابن الحاجب حكمها وقد ذكره الآمدي موافقا لما قاله الإمام والمصنف.