للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقوله: المختلفة إلى هذا وليس لإخراج شيء، ولو قال: لاختلافهما لكان أصرح، وأما مغايرته للإرادة فقد خالف فيه المعتزلة، وقالوا: إنه هو. و"الحاصل" أن الأمر اللساني دال على الطلب بالاتفاق, لكن الطلب عندنا غير الإرادة وعندهم عينها, أي: لا معنى لكونه طالبا إلا كونه مريدا، والتزموا أن الله تعالى يريد الشيء ولا يقع، ويقع وهو لا يريده. قوله: "لنا" أي: الدليل على أن الطلب غير الإرادة من وجهين:

أحدهما: أن الإيمان من الكافر الذي علم الله تعالى أنه لا يؤمن كأبي لهب, مطلوب بالاتفاق، مع أنه ليس بمراد الله تعالى؛ لأن الإيمان والحالة هذه ممتنع إذ لو آمن لانقلب علم الله تعالى جهلا, وإذا كان ممتنعا فلا تصح إرادته بالاتفاق منا ومنهم كما قال في المحصول١. قال: ولأن الإرادة صفة من شأنها ترجيح أحد الجائزين على الآخر, وقد أشار المصنف إلى هذا الدليل بقوله: لما عرفت ولم يتقدم له في المنهاج ذكر، وقد قرره كثير من الشراح على غير هذا الوجه، فإنهم استدلوا على عدم إرادته بعدم وقوعه، وهذا مصادرة على المطلوب كما تقدم. الثاني: أن السلطان إذا أنكر على السيد ضرب عبده فاعتذر إليه بأنه يأمره فلا يمتثل، ثم يأمره بين يديه إظهارًا لتمرده فإن هذا الأمر لا إرادة معه؛ لأن العاقل لا يريد تكذيب نفسه، ولقائل أن يقول: العاقل أيضا لا يطلب تكذيب نفسه، فلو كان هذا الدليل صحيحا لكان الأمر ينفك عن الطلب، وليس كذلك عند المصنف, فالموجود من السيد إنما هو صيغة الأمر لا حقيقة الأمر, واستدل الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع بأن الدَّيْن الحالّ مأمور بقضائه ولو حلف ليقضينه غدا إن شاء الله تعالى فإنه لا يحنث، فدل على أن الله تعالى ما شاءه فثبت الأمر بدون المشيئة. وقوله: "واعترف أبو علي وابنه" أي: أبو هاشم بأن الطلب غير الإرادة ولكن شرطا في دلالة الصيغة على الطلب إرادة المأمور به فلا يوجد الأمر الذي هو الطلب إلا ومعه الإرادة، وتابعهما أبو الحسين والقاضي عبد الجبار. قال ابن برهان: لنا ثلاث إرادات: إرادة إيجاد الصيغة وهي شرط اتفاقا، وإرادة صرف اللفظ عن غير جهة الأمر إلى جهة الأمر شرطها المتكلمون دون الفقهاء، وإرادة الامتثال وهي محل النزاع بيننا وبين أبي علي وابنه وقد ذكر هذه الثلاث أيضا الإمام والغزالي وغيرهما، واحتج أبو علي ومن تبعه على اشتراط الإرادة بأن الصيغة كما ترد للطلب فقد ترد للتهديد كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: ٤٠] مع أن التهديد ليس فيه طلب فلا بد من مميز بينهما ولا مميز سوى الإرادة، والجواب أن الصيغة لو كانت مشتركة لاحتيج إلى مميز لكنها حقيقة في الوجوب، مجاز في التهديد فإذا أوردت فيجب الحمل على المعنى الحقيقي عند عدم القرينة الصارفة إلى غيره؛ لأن دلالة الألفاظ على المعاني تابعة الموضع فحيث ثبت الوضع ثبتت الدلالة كسائر الألفاظ، فهذا القدر وهو كونه حقيقة في الإيجاب, مجازا في التهديد كافٍ في التمييز. قال:


١ انظر المحصول، ص٢٠٥، جـ١.

<<  <   >  >>